الحريق قربني ليك

عاش هذا الشاب الصغير في أحد بلاد الوجه البحري بمصر، وأحب الكنيسة وارتبط بها وكان مواظبًا على حضور القداسات والتناول من الأسرار المقدسة، وكان يشكر الله على محبته وعنايته به كل يوم، أما المنظر الذي كان يتأمله بإعجاب فهو المسيح المصلوب الذي ضحى بحياته لأجله، وكم كانت فرحته عظيمة عندما كان يتناول من الجسد والدم إذ يشعر فيهما بمحبة الله الفائقة.

قرأ هذا الشاب قصة عجيبة أثَّرت فيه جدًا، وهي قصة حدثت في إحدى الولايات الأمريكية. تحكي عن حريق حدث في إحدى المزارع، وأحرق جزءًا كبيرًا من المزرعة. وبعد النجاح في إطفاء الحريق، مرَّ أحد المزارعين العاملين بهذه المزرعة ليفحص آثار هذا الحريق والخسائر التي حدثت.

فيما كان هذا المزارع يتمشى في المزرعة حزينًا على ما حدث بها من خسائر، شاهد دجاجة محترقة وقد بسطت جناحيها ولا تتحرك لأنها قد ماتت محترقة، فتقدم نحوها وهو حزين عليها، وحركها بقدمه ففوجئ بكتاكيت صغيرة تتحرك تحت جناحيّ الدجاجة فقال:

  • “يا إلهي … إن الكتاكيت مازالت حية”.

وشعر الزارع بهذه الأم العظيمة … هذه الدجاجة التي أرادت أن تحمي أبنائها الكتاكيت، فبسطت جناحيها عليهم حتى لا يحترقوا، واستطاعت أن تحميهم ولكنها احترقت وماتت، ورأى فيها أعظم صورة للبذل والتضحية فقد ماتت لتعطي حياة لأبنائها.

وقرأ الشاب تعليقًا على هذه القصة، كيف أنها تُعبِّر عن محبة المسيح الفادي الذي مات على الصليب ليرفع عنا خطايانا ويعطينا الحياة والخلاص، وتأثر جدًا وشعر أن الفداء هو مسئولية كل واحد من أولاد الله، فكما مات المسيح من أجلنا ينبغي أن كل واحد يتعب ويضحي لإنقاذ ومساعدة غيره حتى لو خسر كثيرًا أو حتى لو وصلت التضحية إلى الموت من أجل الآخرين.

مرَّت الأيام والتحق هذا الشاب بالجيش، وكان تجنيده قبل النكسة التي حدثت لمصر في حربها مع إسرائيل عام 1967 م، وكان هذا المجند في صحراء سيناء عندما هاجمت قوات إسرائيل الجنود المصريين، ومات الكثير منهم.

كانت الطائرات الإسرائيلية تلقي بقنابلها على الجنود المصريين في سيناء، وزحف هذا الشاب على الأرض هاربًا من القنابل التي تسقط حوله، وصلى طالبًا الله لينقذه من الموت.

فيما كان الشاب يهرب، فوجئ بالضابط قائد وحدته قد أصيب بأحد قنابل إسرائيل، وأنه ينزف وهو مطروح على الأرض وعاجز عن مواصلة الزحف هربًا من هذه القنابل، وتذكَّر الصليب والمسيح الفادي وقصة الدجاجة المحترقة، كل هذا ارتفع إلى ذهنه في لحظات، فأسرع إلى قائده المجروح وأمسك به وقال له:

  • “يالّلا بينا حنهرب مع بعض وربنا قادر ينجينا”.

فقال له الضابط:

  • “يا ابني ربنا يحافظ عليك … إهرب بنفسك. أنا اتصبت خلاص، وإن كان ربنا سبحانه وتعالى عايز ينقذني يبقى ينقذني، وإن ماكنش يبقى أموت شهيد في الحرب”.

فقال له الشاب المجند:

  • “لا يمكن يا ريس أسيبك … إن كان ربنا عايز ينجينا هينجينا مع بعض، وإن كان عايزنا نموت في الحرب نموت مع بعض”.

أمسك الجندي بقائده الضابط المجروح، وأخذ يزحف به على الأرض وهو يصلي:

  • “يارب استر علينا … يارب نجينا زي ما نجيت الثلاثة فتية في أتون النار”.

استمر الزحف لمسافة طويلة، وغارات إسرائيل متوالية على الجنود المصريين، والقنابل تسقط حولهما ولكن لم تُصِبهما.

أخيرًا وصل الشاب والضابط إلى أقرب نقطة لإسعاف الجنود المصريين، وتم إسعاف الضابط ونقله إلى مصر، وتم علاجه بأحد المستشفيات حتى تعافى، وكان الشاب يسأل عن قائده إلى أن استرد صحته، وصارت هناك صداقة بين الإثنين حتى أن القائد ذهب وزار الجندي فـي بلدتـه بالوجـه البحري والحب يرفرف عليهما. كان الشاب فرحًـا أنه تمـم واجبه وسار في طريق المسيح الفادي، والقائد كان يشكره شكرًا عميقًا لأنه أنقذ حياته ورأى فيه المحبة الباذلة حتى الموت.

إن محبة المسيح أمامك كل يوم على الصليب وعلى المذبح، تأمل فيها ليشبع قلبك وتشكره وتتمتع برعايته واهتمامه في كل خطواتك.

ليت قلبك يتحرك بالحب نحو من حولك لتساعدهم حتى لو تعبت بعض التعب، أو احتملت بعض الآلام فهي الدليل الحقيقي على محبتك لله. بهذا تصير إبنًا حقيقيًا للمسيح الفادي.

تدبيرك فاق العقول: الجزء الثامن.

اية للحفظ

“وهو مات لأجل الجميع كي يعيش الأحياء فيما بعد لا لأنفسهم بل للذي مات لأجلهم وقام” (2كو5: 15)