السكين أم الكرسي

تزوجت هذه السيدة منذ خمسة وعشرين عامًا، وكانت مُحِبة للكنيسة منذ شبابها بل وارتبطت بخدمة الفقراء واستمرت بها طوال حياتها. ورغم أنها كانت تقابل منهم حالات صعبة التعامل فيتطاولون عليها أحيانًا، أما هي فكانت تحتملهم وتلتمس لهم الأعذار فأحبها الكل، وكانت إنسانة روحانية ومتزنة فأدارت الخدمة بكل حكمة.

ولكن هذه السيدة قابلتها مشكلة منذ بدء زواجها، إذ وجدت أن زوجها يعاني من خطية الغضب، وكان عنيفًا في كلماته الجارحة، كثير اللوم. أما هي فكانت تحتمله رغم أخطائه التي قليلاً ما كان يعتذر عنها.

لاحظت هذه الخادمة أصواتًا عالية تصل إليها من الشقة المقابلة لها في العمارة التي تواجه عمارتها، ثم وجدت الزوج يخرج من البيت أما الزوجة فتفح النافذة وتنظر إلى السماء وتصلي. وتكرر هذا المنظر مرات كثيرة، فتعلمت هذه السيدة باتضاعها كيف يلتجئ الإنسان إلى الله بالصلاة عندما تقابله مشكلة أو مشادة مع أحد.

حدث حريق في شقة بعمارة هذه الخادمة، وأصيبت صاحبة الشقة ببعض الحروق فذهبت إليها الخادمة تسأل عنها، فقابلت هناك الزوجة الشابة التي تسكن مقابلها والتي تخرج للصلاة بعد كل مشادة، فتعرفت عليها وتبادلا التليفونات.

في أحد الأيام سمعت الخادمة أصواتًا عالية من الشقة المقابلة، ولكن لم تفتح الزوجة الشابة لتصلي كعادتها، فقلقت الخادمة من أجلها وأخذت تصلي ليعطيها الله سلامًا. أما الزوجة الشابة فقد تعبت جدًا من إهانة زوجها لها في هذا اليوم بالتحديد، وبعد خروجه من المنزل ضاق بها الأمر وحاولت الانتحار فأخذت سكينًا لتقتل نفسها، ولكنها ترددت وذهبت إلى شرفة داخلية ووقفت على كرسي لتقفز منه إلى الشارع، ولكنها ترددت ثانية وعادت لتمسك السكين، ولكنها توقفت إذ سمعت صوت جرس التليفون فذهبت إليه ورفعت السماعة لتجد الخادمة تسأل عنها وتقول لها:

  • “أنا قلقانة عليكي لما سمعت الأصوات العالية وأنتي مفتحتيش الشباك. أنتي كويسة؟”

وهنا بكت الزوجة الشابة وقالت لها: “أنا تعبانة جدًا. أنا مش عايزة أعيش”.

بدأت الخادمة تهدئ من اضطراب الزوجة الشابة، فهدأت قليلاً ثم قالت للخادمة: “هل ممكن أزورِك؟” رحَبَّت الخادمة بها فذهبت إليها الشابة في الحال.

قصَّت عليها الزوجة الشابة ما تعانيه من عنف زوجها، وكيف أنها عندما تحاول مناقشته يزداد غضبًا ويجرحها بكلمات صعبة، وكيف أن أهلها مشغولون ولا يسأل عنها أحد، بالإضافة أن الله حرمها من الأطفال وهي تقضي وقتًا طويلاً وحدها في البيت، وكيف أنها حاولت الانتحار في هذا اليوم ولكن تليفون الخادمة هو الذي أنقذها.

كلمتها الخادمة عن المسيح الذي يحبها ويستطيع أن يرد عنها ويكلم زوجها، كما أنه لا يمكن مناقشة الإنسان الغضوب في وقت غضبه، بل وقصَّت عليها الخادمة كيف أن زوجها غضوب جدًا وأنها لا تناقشه في غضبه بل تحتمله، وفي وقت الهدوء تحاول أن تقنعه بما تريد.

أثناء هذا الحديث، دخل زوج الخادمة بغضب وأهانها لأنه لا يجد شيئًا من حاجاته، فقامت الخادمة وبحثت له عن هذا الشئ ووجدته في درج مكتبه وأعطته له. وهنا تذكر الزوج انه وضع هذا الشئ في درج المكتب، فعاد إلى هدوئه واعتذر لزوجته، ورأت الزوجة الشابة درسًا عمليًا في احتمال الغضوبين.

زادت الصداقة بين الزوجتين، وفرحت الشابة أنها وجدت أمًا حنونًا عليها، وزاد ارتباط الزوجة الشابة بالكنيسة، بل وشاركت الخادمة في خدمة الفقراء، وتعلمت كيف تحتمل زوجها ولا تناقشه في وقت غضبه، فساد السلام في هذا البيت وعاش الزوجان الشابان في فرح.

إن الغضب أمر مثير وصعب، ولكن بالمحبة يمكن احتواءه، فلا تسرع بمناقشة الغضوب بل اصمت وصلِّ من أجله.

إن احتمال الغضوب جهاد عظيم يفرح قلب الله، وتذكر دائمًا أن الله يحتملك رغم كثرة خطاياك ويعطيك فرصة للتوبة، فاعطِ فرصة للآخرين أيضًا حتى يتوبوا، إحتملهم واشفق عليهم باتضاع.

تدبيرك فاق العقول: الجزء السادس.

خد واحد أم الإثنين؟

سُئل الدكتور ستيوارت هولدن الجرَّاح البريطاني: “كيف صرت مسيحيًا؟” فروى القصة التالية:

قبل أن أحضر إلى مصر عشت في جزيرة مالطة مع مجموعة من الأطباء، وكان يخدمنا شاب مسيحي يشهد دومًا للسيد المسيح، وكنت أتضايق منه أنا وأصدقائي. كنا نسئ إليه كثيرًا، أما هو فلم يبالِ، بل يحتمل كل شيء ببشاشة.

في إحدى الليالي دخلت “الشقة” فوجدته راكعًا يصلي، وكان منهمكًا جدًا في صلاته. إذ اغتظت منه خلعت الحذاء boot، وكان ثقيلاً جدًا بسبب الوحل الذي لصق به، إذ كان الجو ممطرًا. قذفته بإحدى الحذاءين boots على خده الأيمن وبالآخر على خده الأيسر بلا سبب، أما هو فلم يتحرك قط، بل استمر في صلاته كأن شيئًا لم يحدث.

دخلت حجرتي ونمت. في الصباح قمت فوجدته قد أخذ الحذائين اللذين ألقيتهما على وجهه وقام بتنظيفهما وتلميعهما ووضعهما في مكانهما.

تألمت من نفسي جدًا بسبب قسوتي، وأحببت مسيحه وآمنت به!

+ هب لي يا رب القلب المتسع حبًا،

فأشهد لاتساع قلبك يا إلهي،

وأحمل أيقونة سمواتك في داخلي!

+ العالم متعطش إلى الحب،

لا إلى حوار عقلاني جاف لإثبات وجودك،

وتأكيد الأبدية!

ليقدني روحك القدوس في طريق الحب الملوكي،

فأجرى إليك، مجتذبًا الكثيرين إلى حضن أبيك!

قصة واقعية من كتاب: “قصص قصيرة للفتيان”.

اية للحفظ

      • “أما الزوجة المتعقلة فمن عند الرب” (أم19: 14)