الصلاة الأخيرة
حدثت هذه القصة في منتصف القرن العشرين، وبطل قصتنا هو شاب أحب الله وارتبط بكنيسته، وكان مواظبًا على الحضور بها والتمتع بصلواتها.
أحب هذا الشاب الكتاب المقدس، وكان يقرأ فيه كل يوم، بل كان يتأمل في كلماته ويتمتع بها ويأكلها كطعام شهي. كان ينتظر كل يوم رسالة من الله، وهي الآية التي تعجبه، فيأخذها ويفهمها ويحيا بها. وهذه القراءة العميقة في الكتاب المقدس أعطت قوة لصلواته كل يوم في الصباح وفي المساء.
إذ بدأ هذا الشاب يتذوق حلاوة الصلاة والتأمل، اشتاق أن يأتي بالآخرين ليتمتعوا معه بهذا الغذاء الروحي، فانضم للخدمة واهتم بالأكثر أن يبحث عن البعيدين ، ويشجعهم على حضور الكنيسة.
إزدادت أشواق هذا الشاب لجذب البعيدين، وخاصة أن بعضهم الذي حضر الكنيسة تأثرت حياته وتغيرت وترك عنه خطايا كثيرة واضحة، فكان الخادم يزداد فرحًا ويتحرك بحماس ليبحث عن آخرين بعيدين.
سمع هذا الشاب عن الخدمة في البلاد البعيدة المحتاجة للخدمة، وهي بعض البلاد الأفريقية. فصلى كثيرًا، وبعد صلوات إختاره الله ليذهب إلى هذه الخدمة، فسافر إلى هناك ليبدأ خدمته.
بدأ الشاب يتعرف على البلاد التي ذهب إليها ويتعلم لغتهم، ويتكلم معهم قدر ما يستطيع، وكان يقرأ لهم من الكتاب المقدس ويشرح بعض معانيه، ومن أجل صلواته أعطاه الله نعمة في أعين سامعيه فقبلوا كلامه.
نمت خدمة هذا الخادم، وبدأ ينتقل من بلد إلى بلد ليحدِّث الناس عن المسيح ويقرأ لهم في الكتاب المقدس.
وفي أحد الأيام، إذ كان مسافرًا إلى إحدى البلاد سيرًا على الأقدام، مرَّ بغابة. وفيما هو يسير بجوارها حاملاً كتابه المقدس سمع صوتًا قويًا، وشعر أنه يشبه زئير الأسد، ولم تمضِ إلا دقيقة وظهر أمامه أسدًا مقبلاً عليه.
تسمر الخادم في مكانه لا يعرف ماذا يفعل، ولكنه وقع على ركبتيه وأغمض عينيه، وأمسك بكتابه المقدس ووضعه أمام وجهه في مواجهة الأسد، فلم يكن معه ما يحميه إلا الكتاب المقدس، وبدأ يصلي ويطلب رحمة الله وإنقاذه، وأخذ يردد: يا رب يا رب ارحمني … يا رب انقذني.
بعد ما صلى صلواته القصيرة توقف والجو هادئ تمامًا حوله، وهو مازال مغمضًا عينيه ممسكًا بكتابه المقدس. وإذ شعر أنه مازال حيًا أخذ يصلي بحماس طالبًا تدخل الله ومعونته.
ثم صمت الخادم وهو يردد في داخله صلواته طالبًا إنقاذ الله له. ومرَّت الدقائق ثقيلة، وهو ممسكًا بكتابه المقدس، وشعر كأنه يمسك بثياب المسيح طالبًا سرعة تدخله. بل خطر على باله جده يعقوب أب الآباء الذي تعلَّق بالله وصارعه طالبًا بركته.
بعد حوالي نصف ساعة مرَّت كأنها سنة كاملة، فتح الخادم عينيه، وأنزل كتابه المقدس من أمام وجهه، فإذ به يفاجأ بالأسد ملقى أمامه من بعيد على الأرض وليس فيه أي حركة.
تشجع الخادم ووقف على قدميه، وأخذ يصلي بحرارة وحماس وقوة طالبًا أن يتمم الله عمله معه، وإذ لم يتحرك الأسد ارتفعت صلواته بالشكر لله الذي أنقذه من هذا الأسد، وها هو يراه بعينيه مطروحًا على الأرض ميتًا.
بعد هذا تحرك الشاب في طريقه، وذهب إلى البلد التي يقصدها، وتمم خدمته بكل حماس.
إستمر الخادم في خدمته بحماس أكبر، متكلاً على الله وتثقًا من حمايته له، ومشجعًا كل من يسمعه أن يأتي إلى الله القادر أن يحميه من كل الأخطار.
عندما تواجه أي مشكلة، اسرع بالالتجاء إلى الله مصليًا طالبًا معونته، فهو سيأتي إليك سريًعا وينقذك من أي خطر، ويعمل المستحيل لأجلك: “غَيْرُ الْمُسْتَطَاعِ عِنْدَ النَّاسِ مُسْتَطَاعٌ عِنْدَ اللهِ” (لو18: 27).
إن كتابك المقدس هو كلمة الله، فاقرأه كل يوم وتأمل فيه منتظرًا رسالة منه لتحيا بها، واثقًا أن كلمة الله قادرة أن تُشبِعك وتحفظك في كل حياتك.
تدبيرك فاق العقول: الجزء السابع.
دموع في أرض المهجر
اُنتدبت للخدمة في إحدى بلاد المهجر لفترة قصيرة بسبب وجود مشكلة كنسية. مرّ بي الفكر: “كيف يمكنني أن أحتفظ بنقاوة فكري بعيدًا عن الإدانة وسط المشكلة الكنسية وسماعي لكل الأطراف؟”
إذ التقيت ببعض الأحباء في يوم السبت مساءً دون أن استمع إلى شيء، واشتركت في الصباح في خدمة القداس الإلهي، فوجئت بشاب صغير أمريكي منضم إلى كنيستنا وقف يتلو إنجيل القداس الإلهي. بالكاد استطاع أن يرنم المزمور إذ كانت الدموع تتسلل من عينيه. وإذ بدأ يترنم بالإنجيل عَلَت تنهداته وتسللت دموعه، وحاول أكثر من مرة أن يكمل ترنمه للإنجيل، لكنه اضطر أن ينسحب ليقرأه شماس آخر.
تساءل كثيرون في أنفسهم: لِمَ كان هذا الشاب يبكي… أما أنا فتصاغرت نفسي أمامي جدًا، مشتاقًا أن يهبني اللَّه دموعًا نقية!
في نفس الأسبوع إذ كنا نصلي في إحدى البيوت صلاة النوم ونتناوب تلاوة المزامير، إذا بربة البيت تتنهد، وتتسلل دموعها من عينيها، وبالكاد كانت تتلو مزاميرها! كانت دموعها تسبق كلماتها. وتكرر الأمر في أكثر من مرة! وكان لدموع هذه السيدة أثرها الفعَّال على أعماقي.
في الأحد التالي جاءني الشماس الأمريكي يقول لي بروح الاتضاع: “بعد القداس الإلهي في الأسبوع الماضي، سألني كثيرون عن سبب بكائي! إني خاطئ يا أبي… أشعر إني غير مستحق أن أقرأ الإنجيل بسبب خطاياي…”
هكذا في أرض المهجر وسط مشكلة كنسية مُرة وُجدت نفوس نقية تُقدم للَّه مخلصها دموعها ذبيحة حب مقبولة وصالحة. إنها تعرف كيف تحتفظ بعمل نعمة اللَّه الفائقة في حياتها، فتحيا منشغلة بخلاصها لا بالمشاكل! استطاع هذا الشماس وهذه السيدة أن يمارسا نقاوة الفكر وينشغلا بخلاص نفسيهما بغض النظر عن الظروف التي تحيط بهما. هكذا علمني اللَّه درسًا!!
لترتفع نفسي كما بجناحيّ حمامة، فأبكي على خطاياي الثقيلة،
وتمتزج دموعي بالفرح بعملك الفائق! أبكي على خطاياي التي تُثقل نفسي!
أقدمها لك ذبيحة حب خالص!
قصة واقعية من كتاب: “قصص قصيرة للفتيان”.
اية للحفظ
✝ “أيضًا إذا سرت في وادي ظل الموت لا أخاف شرًا لأنك أنت معي” (مز23: 4)