بستاني إستضاف قاتليه

عاش الشهيد فوكاس بالقرب من سينوب Sinope على البحر الأسود، وكان يشتغل بزراعة بستان. وفي عمله البسيط هذا كان متمثلاً بحياة الآباء القديسين الأولين، بل وحياة أبوينا الأوَلَيّن في جنة عدن.

وكان القديس يمزج عمله بالصلاة، حتى تحول بستانه إلى معلم له ومصدر مشبع للتأملات في الخالق المبدع، وفتح بيته للغرباء والمسافرين ليستضيفهم. ولما كملت ثمرة محبته وخدمته للفقراء وجده اللَّه مستحقًا أيضًا أن يقدم حياته من أجل المسيح.

حين ثار الاضطهاد على المسيحيين في عهد دقلديانوس ، اُتهِم فوكاس كمسيحي وعُقِدت محكمة صورية حكمت بقتله أينما وُجِد. خرج الجنود لتنفيذ الأمر حتى وصلوا بالقرب من سينوب. وإذ لم يستطيعوا دخول المدينة، توقفوا بمنزله دون أن يعرفوه وقبلوا دعوته بالمكوث عنده.

قدم لهم مائدة وأثناء الطعام أعلموه بهدف مهمتهم، وسألوه عن مكان تواجد المدعو فوكاس، فأجابهم بأنه يعرف الرجل معرفة وثيقة، وأنه سيخبرهم عن مكانه في الصباح. بعد أن نام الجنود خرج فوكاس وحفر لنفسه قبرًا وأعد كل شيء لتكفينه ودفنه، ثم أمضى الليل في إعداد روحه للساعة الأخيرة.

في الصباح ذهب إلى ضيوفه وأعلمهم أن فوكاس موجود وتحت أمرهم ليقبضوا عليه متى شاءوا، ولما سألوه عن مكانه أجاب القديس: “إنه هنا، أنا هو الرجل”. ذُهل الجنود من حبه وكرمه وشجاعته وثباته.

في البداية لم يعرفوا ماذا يفعلون مع هذا الرجل الذي استضافهم بِكَرَم شديد، وإذ رأى حيرتهم أجابهم قائلاً أنه يعتبر موته من أجل المسيح أعظم خدمة يقدمونها له.

أخيرًا بعد أن أفاقوا من ذهولهم وحيرتهم أطاحوا برأسه، وفيما بعد بنى المسيحيون في المدينة كنيسة كبيرة تحمل اسمه.

وقد وهبه الله عمل العجائب خلال رفاته حتى دُعي بالصانع العجائب Thaumaturgus.

نُقل جسده إلى القسطنطينية في أيام القديس يوحنا ذهبي الفم، وقد ألقى القديس عظة بهذه المناسبة. أقيم دير في الموقع الذي وضعت فيه رفاته.

ويحتفل به اليونانيون المعاصرون في 22 يوليو و 22 سبتمبر.

قاموس آباء الكنيسة وقديسيها

مهندس نابغة

سعيد بن كاتب الفرغاني مهندس قبطي ظهر اسمه في عهد الطولونيين، وغالبًا ما يُنسَب إلى ناحية فرغان بمركز ديرب نجم بمحافظة الشرقية أو إلى مدينة الفراجون التي اندثرت ومحلها اليوم مدينة سيدي سالم بمحافظة كفر الشيخ.

أول ما نسمعه عنه أنه تولى عمارة مقياس النيل في جزيرة الروضة سنة 864م بعد أن أمر بعمارته الخليفة العباسي المتوكل. ولما تولى أحمد بن طولون حكم مصر عهد إليه ببناء أهم منشآته، فبنى له أولاً قناطر بن طولون وبئر عند بركة حبش لتوصيل الماء إلى مدينة القطائع بين عامي 872 و 873م.

وحدث لما ذهب ابن طولون لمعاينة العمل بعد انتهائه أن غاصت رِجل فَرَسِه في موضع كان لا يزال رطبًا، فكبا الفرس بابن طولون، ولسوء ظنه قدَّر أن ذلك لمكروه أراده به النصراني، فأمر بشق ثيابه وجلده خمسمائة سوطًا وألقاه في السجن، وكان المسكين يتوقع بدلاً من ذلك جائزة من الدنانير!

بعد ذلك فكر ابن طولون في بناء جامع يكون أعظم ما بُنِي من المساجد في مصر، ويقيمه على ثلاثمائة عمود من الرخام، فقيل له أنه لن يجد مثل ذلك العدد إلا إذا مضى إلى الكنائس في الأرياف والضياع الخراب ويحملها من هناك.

وبلغ الأمر للفرغاني وهو في السجن، فكتب لابن طولون يقول له أنه يستطيع أن يبنيه بلا أعمدة إلا عمودي القبلة، وصوّره له على الجلود فأعجبه واستحسنه وأطلق سراحه وأطلق له النفقة حتى يقوم بالبناء، وبعد الانتهاء أمَّنه ابن طولون على نفسه وأمر له بجائزة عشرة آلاف دينار. ويشهد جامع ابن طولون بعبقرية هذا المهندس القبطي، إذ ترى العقود المدببة في الجامع قبل أن يُعرَف استخدامها في إنجلترا بقرنين على الأقل.

فيما يختص بما انتهى إليه أمر هذا المهندس القبطي، فإن بعض المصادر تروي أن ابـن طولـون عـرض عليـه اعتنـاق الإسـلام فأبـى وتمسـك بإيمانـه المسيحـي، فقُطِعـت رأسه ومات شهيدًا.

ويذكر أبو المكارم في كتابه المنسوب خطأ لأبي صالح الأرمني “ذكر في دلال الأعياد” أنه في اليوم السابع من كيهك قُطِعت رأس ابن كاتب الفرغاني وجسده محفوظ في كنيسة القديس قلته.

قاموس آباء الكنيسة وقديسيها

اية للحفظ

“أحبوا أعداءكم باركوا لاعنيكم أحسنوا إلى مبغضيكم وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم. لكي تكونوا أبناء أبيكم الذي في السماوات فإنه يشرق شمسه على الأشرار والصالحين ويمطر على الأبرار والظالمين” (مت5: 44-45)