حقل المزامير
هو شاب أميّ يعيش في إحدى قرى مصر، لم ينعم بنعمة التعليم ولكنه كان يحب الكنيسة ومرتبط بحضور القداسات والتناول من الأسرار المقدسة، وأحب الصلاة والحديث مع الله.
إشتاق هذا الشاب أن يصلّي المزامير مثل المتعلمين الذين يحضرون في كنيسته، ولأنه لا يعرف القراءة حاول أن يصغي باهتمام إلى كلمات المزامير التي تتردد على مسامعه. ولاحظ ذلك أحد المصلِّين المتعلمين، فعرض عليه أن يساعده على حفظ أحد المزامير، ففرح وشكره. وبعد الجلسة الأولى لاحظ من يساعده على الحفظ أنه يمتلك قدرة فائقة في الحفظ، فأُعجِب به وشجَّعه، ومن ناحية أخرى فرح هذا الشاب بالمزمور الذي حفظه، وظلَّ يصلِّي به ويردِّده كل يوم.
إهتم هذا المُصلِّي المتعلم بتحفيظ هذا الشاب، وتوالت الجلسات حتى حفظ هذا الشاب مزامير كثيرة جدًا، كان يرددها كل يوم ويتمتع بالحديث مع الله، واختبر دون أن يدري حلاوة الصلاة الدائمة والوجود في أحضان الله كل حين.
بلغ هذا الشاب سن التجنيد وتم تجنيده وأُرسِل إلى كتيبة في مرسى عَلَم. ذهب إليها ولاحظ أنه الشخص المسيحي الوحيد بين إخوانه المُجّندين، فعاش ببساطته ومحبته ولطفه مع الكل، وكانت معونته الخاصة كل يوم هي ترديد المزامير التي حفظها سرًا في داخله، فيفرح وتهون عليه متاعب التجنيد، خاصة وأن معاملة زملائه لم تكن لطيفة وبالأكثر رئيسه.
مرَّت الأيام وهو يتمتع بنفسية هادئة وفرح مع الله الذي يتحدث معه كثيرًا، وكان يشكر الله كل يوم على موهبة حفظه للمزامير التي جعلته يتمتع بعشرة الله دائمًا حتى لو كان بعيدًا عن كنيسته وأهله وأحبائه، ولكنه في علاقة مستمرة مع الله حبيبه.
في إحدى الأمسيات خرج يتمشى خارج المعسكر، وكان يود أن يردد المزامير بنغمتها وبصوت مرتفع، فأخذ يتمشى وابتعد كثيرًا عن المعسكر. ولما رجع إلى معسكره فوجئ بأن كل زملائه ورئيسه أيضًا واقفون ينتظرونه، وعندما وصل إليهم سألوه بلهفة: “هل أنت سليم؟ هل لم يحدث لك أي شئ يضرك”؟ فأجاب بالنفي وهو متعجب لهذه الأسئلة، وسألهم لماذا كلكم واقفين هكذا تنتظرونني وما هذه الأسئلة؟
أوضحوا له أنه كان يسير في وسط حقل ألغام، وكانت اللافتة معلَّقة واضحة، ولكنه لم يقرأها لأنه لا يعرف القراءة، وانهم نادوا عليه بأصوات مرتفعة لكنه لم يسمعهم، وخافوا أن يقتربوا من حقل الألغام لئلا ينفجر فيهم أي لغم. وأضافوا أنهم لاحظوا عند دخوله إلى حقل الألغام البعيد عن المعسكر أن هناك يدان منيرتان كانتا تحيطان به، وظلَّتا حوله طوال تمشيه وسط الحقل، حتى عاد وخرج من هذا الحقل.
ثم سألوه: لقد رأيناك تُحرِّك شفتيك، فما هي التعاويذ التي كنت تقولها حتى خرجت سالمًا من حقل الألغام؟ فقال لهم: لم أكن أردد تعاويذ، بل كنت أصلّي لإلهي صلوات قد حفظتها من الكنيسة هي المزامير، فتعجبوا جدًا مما رأوه.
تغيَّرت معاملة زملائه له وأيضًا رئيسه، إذ عاملوه بكل احترام ومحبة لأنهم شعروا أن الله معه، بعد أن رأوا بأعينهم كيف حفظه الله وسط الألغام، وعَلِموا يقينًا أن هاتين اليدين المنيرتين كانتا من الله.
مرَّت الأيام وتكاثرت الأسئلة على هذا الشاب خاصة من رئيسه، ليعرفوا ما هي المزامير التي يرددها، فكان يشرح لهم ببساطة ما يعرفه عن المزامير والمعاني التي يصليها. وكان رئيسه معجبًا بكل ما يسمعه منه، إذ رأى في عينيه الإيمان البسيط القوي.
إنتهت مدة التجنيد وعاد هذا الشاب إلى قريته. وفي أحد الأيام فوجئ هذا الشاب بطَرق على باب بيته، وعندما فتح وجد رئيسه في فترة التجنيد، فرحَّب به جدًا.
قال له الرئيس: “أنا جاي أشكرك لأني شُفت فيك الإيمان الحقيقي واهتمامك بالصلاة، أنا كنت بعيد عن ربنا ولمَّا شُفتَك راجعت نفسي وقرَّبت من ربنا. فأنا جاي أشكرك على الفترة اللي عشناها مع بعض، وعلى فضلك عليَّ لأنك نوَّرت عيني ورجعتني لربنا”.
وهكذا تظهر بركة الموهبة التي أعطاها الله لهذا الشاب واكتشفها أحد خدام الكنيسة المتعلمين، فساعده حتى تَعَلَّم الصلاة وعشرة الله، وصار نورًا لمن حوله.
من كتاب: تحنن علينا وأعنا.
صورة أم قوة؟
في مارس 1997 في لقاء محبة بمنزل الأخ ا. ش. بمنطقة جنوب أورانج كاونتي، روى لي رب البيت القصة التالية:
تحدث معي أحد العملاء وهو أمريكي يهودي، قال أنه كان يعتزم أن يبدأ مشروعًا معينًا، وكان كلما بدأ خطوة يجد العقبات حتى فقد الأمل في تكملة السير في هذا الطريق.
كان من بين العاملين لديه سيدة مصرية، رأته في ضيقة شديدة، وإذ عرفت ما يعاني منه قالت له:
“خذ هذه الصورة وضعها في جيبك، وأصرخ إلى اللَّه، فإنه يسندك حتمًا”.
لم يكن الرجل متدينًا قط، لكنه في وسط مرارة نفسه قَبِل الصورة دون أن يسألها عن شخصية الإنسان الذي له الصورة.
ذهب إلى بيته، وهناك دخل حجرته، وفي مرارة صرخ إلى اللَّه، وكان يتحدث مع اللَّه، في حوارٍ مفتوحٍ… لاحظ أن قوة قد ملأت أعماقه الداخلية.
بدأ خطوات المشروع فلاحظ أن كل الأبواب تنفتح أمامه بطريقة غير عادية، وكما قال أنه يشعر بقوة فائقة تسنده أينما ذهب.
روى هذا الرجل هذه القصة للأخ ا. ش. بروح مملوء قوة، فسأله الأخ عن الصورة، وللحال أخرجها من جيبه ليُريه إيّاها باعتزاز، فإذا بها صورة البابا كيرلس السادس.
سألته وماذا بعد هذه الخبرة؟ فأجاب إن خبرته هذه حديثه جدًا. إنسحقت نفسي وصرت أتأمل في أعماقي:
لقد تنيَّح أبي الحبيب منذ أعوام كثيرة، وها هو يعمل بروح الصلاة بأكثر قوة في دول كثيرة! لم يكن أبي القديس يُجيد الإنجليزية، لكنه يتحدث مع أمريكي يهودي بلغة الروح التي تفوق كل لغة بشرية.
قصة واقعية من كتاب: “قصص قصيرة للفتيان”.
اية للحفظ
- “سلم للرب طريقك واتكل عليه وهو يجري” (مز37: 5)