ذئب تصطاده الحملان

هذه قصة حقيقية لذئب شيوعي لم يحتمل وداعة الحملان، فصار حملاً مثلهم.

قُتِل والد “سيرجي كوراكوف” وماتت أمه كمدًا، أما هو فقد تربى في الملجأ تربية قاسية للغاية، حتى شبَّ ووصل في دراسته إلى الكلية البحرية، وبسبب محبته الفائقة للشيوعية أُختير لتكوين تنظيم أو فرقة لتأديب المؤمنين – مقابل مبلغ مغري من المال في كل مرة يقبِض فيها على المؤمنين – من رجاله الذين يجيدون الملاكمة والجودو والكراتيه، لزوم طحن المسيحيين وتحطيم عظامهم، دون أي مسئولية جنائية تقع عليهم حتى لو وصل الأمر إلى الضرب المُفضي للموت، فهؤلاء المؤمنون هم أعداء الوطن، ومن الضروري القضاء على إسم الله والكتاب المقدس لكيما تستمر الشيوعية.

وفي إحدى العمليات التي قام بها سيرجي، وما أكثر العمليات التي قام بها والتي كانت تصل إلى ثلاث غارات أسبوعيًا، يحكي سيرجي أنه اقتحم مع أفراد عصابته منزلاً حوى في أحشائه خمسة عشر شخصًا قد اجتمعوا ليعبدوا الله في الخفاء، وكانوا يُصَلّون ويرتلون وهم راكعين. ويقول سيرجي: هؤلاء الناس مدهشين جدًا، ولا أستطيع أن أمنع نفسي من الإعجاب الشديد بشجاعتهم التي جعلتني أزداد غيظًا، فصرخت فيهم: ماذا تفعلون؟ فأجاب أحدهم: نحن نصلي. فقلت لِمَن؟ فقالوا لله. فصرخت فيهم: “أيها الأغبياء لا يوجد شئ اسمه الله. ألا تعرفون هذا؟ أين هو إلهكم الآن؟ فليأتِ ليساعدكم!

وبدأ رجالي في استعراض مهاراتهم في الملاكمة والمصارعة والجودو على هؤلاء المساكين. أصيب كل الرجال إصابات بالغة، وسال الدم منهم مدرارًا، وقد تحطم على أيدينا كل أثاث ذلك المنزل.

وقد لاحظت أن فيكتور أحد رجال الفرقة يطارد فتاة جميلة تحاول الهرب من حجرة لأخرى. أمسك فيكتور بها ورفعها وهي تستغيث: لا تفعل هذا من فضلك … لا تفعل هذا … هلم إلى معونتي أيها الإله العزيز.

ثم قام فيكتور بدهسها في الحائط ثم رماها أرضًا، وصارت في شبه إغماء وهي تتأوه وتنوح، وعاد فيكتور وهو يضحك ويقول: “كنت أريد أن أنزع فكرة وجود الله من رأسها”.

وبعد ثلاثة أيام كان سيرجي يقود غارة أخرى على بعض المؤمنين، فيقول: ورأيت شيئًا أذهلني تمامًا، إنها الفتاة الجميلة “ناتاشا” … ووجدت أن جمالها يفوق الوصف وشعرها أشقر يتدلى على كتفها ولها عيون زرقاء واسعة … وعندما رآها فيكتور هتف قائلاً لنا: “ها هي مرة أخرى أيها الفتيان”.

فقلت لفيكتور: “يبدو أنك لم تفلح في إعطائها الدرس حسنًا تلك المرة، لذلك دعها لي هذه المرة”.

وقمت برفعها على المنضدة، وقام إثنان من رجالي بنزع ثيابها وآخر ثبتها على تلك المنضدة، وقمت بضربها بشدة بكف يدي بضربات متوالية حتى بدأت يديَّ تؤلمني، ولكني لم أتوقف، وتخضب كل جسدها بالدم وبدأت قطع جلدية مهرأة تنفصل من جسمها … ولما وجدت أن يدي ما عدت أستطيع رفعها وقد تهرأ كل جسدها، دفعتها بيدي فسقطت من فوق تلك المنضدة، ثم تركتها وأنا مُنهك، ونظرت حولي وإذا كل شباب المؤمنين مُلقَى على الأرض مضرجًا في الدماء يتأوه.

واهتم سيرجي بتتبع قصة ناتاشا، فذهب إلى مكان عملها حيث كانت تعمل في جريدة، وفوجئ بشهادة الزملاء لها بأنها موظفة ممتازة لا تسبب أية مشاكل، وأنها ظريفة وجادة في عملها وأهلاً للثقة وتعمل باجتهاد. ولكن عندما علم الزملاء أنها مؤمنة وقد ضُبِطت في أحد اجتماعات المؤمنين، صاروا يغتابونها وينعتونها بصفات رديئة. وقارن سيرجي بين الشيوعيين وأخلاقهم المنحلة وسكرهم وبين هؤلاء المؤمنين الذين يعملون بجد واجتهاد، لهم علاقات طيبة مع الكل، وهم أهل للثقة، لا يسكرون على الإطلاق.

ثم استدعى سيرجي ناتاشا وهددها وتوعدها بأنها ستتعرض لمضايقات شديدة لو استمرت في ذلك الطريق، ومع كل هذا لم تهتز ولم تتزعزع، ولم تحقد في قلبها على ذلك الذئب، بل كانت قادرة على أن تغفر له، والدليل على ذلك أنها أخذت تقص له كيف قَبِلت الإيمان بالله، تمامًا كما كان بولس الرسول أمام الملك أغريباس. أخذت ناتاشا تحكي قصة إيمانها، وقد شوهت ضربات سيرجي وجهها الجميل، أما سيرجي فقد صرفها بوابل من التوبيخ والتقريع والإذلال الوحشي، هذا من الخارج أما من الداخل فقد كان يشعر بالانهزامية أمام تلك القوة الجبارة الغافرة والتي بلا عيب.

وبعد أسبوع في إحدى الغارات فوجئ سيرجي بناتاشا وهو لا يصدق نفسه: ناتاشا لثالث مرة! وكاد أحد رجاله يضربها بالمطرقة على رأسها، ولكن تصدى له زميل آخر. واندهش سيرجي كيف يحمي أحد من رجاله إحدى المؤمنات، والأمر الذي عجز سيرجي عن تفسيره. أنه نفسه أومأ لهذا الرجل بأن يعطي ناتاشا الفرصة للهرب، وقد كان. وبعدها تركت المنطقة وعادت إلى قريتها في أوكرانيا، ولكنها تركت أثرًا عميقًا في نفس سيرجي وهزمته تمامًا، فتخلى عن شيوعيته الذئبية. كما أن دماء العشرات من الذين أصيبوا على يد سيرجي ورجاله، شفعت فيه، فتحول هذا الذئب إلى حمل، وهكذا اصطادت الحملان الذئب.

ومما ساعد سيرجي في التخلي عن أفكار الشيوعية التي كان متيمًا بها أنه اكتشف البؤس والشقاء النفسي الذي يعاني منه قادة الشيوعية، حتى أنهم بينهم وبين أنفسهم لا يقتنعون بمبادئ الشيوعية بل يتخذونها وسيلة لتحقيق طموحاتهم الشخصية، فالقادة يحيون حياة البذخ والترف بينما عامة الشعب يعيشون في فقر مدقع.

وبينما كان هذا حال الشيوعيين كان عدد المؤمنين يتزايد رغم الاضطهادات الرهيبة وخطورة الموت التي تهدد كل إنسان مسيحي. ويقول سيرجي: وهناك شئ آخر زوَّد الإحباط في نفوسنا وهو أنه يبدو أن عدد المؤمنين كان يزداد كلما ازدادت غاراتنا قوة ووحشية. في كل غارة تقابل وجوهًا جديدة لم نقابلها من قبل … لقد ازداد الوضع سوءًا وأصبح من اللازم لنا أن نزيد عدد الغارات وننظمها لأننا ما عدنا قادرين على مواكبة سرعة تحرك وازدياد عدد المؤمنين. وكنت أنا وديمتري وكأننا في غرفة عمليات حربية دائمة الانعقاد للتداول والتشاور بسبب ازدياد الوضع صعوبة، خصوصًا وأن نسبة الشباب قد ازدادت جدًا في الاجتماعات، بل أن الاجتماعات لم تعد خلو من الأطفال.

رحلة إلى قلب الإلحاد: حلمي القمص يعقوب.

اية للحفظ

  • “لأنه كما تكثر آلام المسيح فينا كذلك بالمسيح تكثر تعزيتنا أيضًا” (2كو1: 5)