عايدة الروسية بطلة إيمان
كان عمر عايدة سنتان عندما أعدمت السلطات الروسية والدها، فكانت أمها تعتني بالأسرة من خلال العمل الشاق والصلاة. فاهتمت أن تقرأ لأطفالها الثلاثة من الكتاب المقدس وتأخذهم للاجتماعات الروحية السرية في منازل الآخرين، وكان عم عايدة يراقب المكان خشية أن تأتي الشرطة.
انتقلت والدة عايدة للسماء فتولت أختها تربيتها، ثم توقفت الأسرة عن حضور الاجتماعات وبذلك تركت عايدة إيمانها لأن المدرسة تعلم الإلحاد.
عندما بلغت عايدة 19 سنة إنتقلت إلى لننجراد مع أخيها فيكتور الذي يكبرها بخمس سنوات. في يوم قالت لأخيها أنها لا تعرف إن كان يوجد إله أم لا، أما هو فكان رده قاطعًا أنه لا يشك مطلقًا في وجود إله. لقد أثار رد أخيها حنينها الداخلي لله فسعت لشراء كتاب مقدس الأمر الذي أسعد قلب فيكتور جدًا.
مرض فيكتور بالسرطان وطلب من عايدة أن تأخذه إلى مكان الصلاة. جاء الأصدقاء ليزوروه ويشجعوه، ولاحظت عايدة أنه يزداد فرحًا كلما اشتد عليه المرض واشتاقت وهي تراقبه يقترب من الموت أن يكون لها نفس هذا الإيمان.
انتهت حياة فيكتور الأرضية وانتقل للسماء وهو في غاية الفرح والسلام. لاحظت عايدة أنه كان يقول لهم مودعًا: “أراكم قريبًا”، واشتاقت بالأكثر أن يكون لها مثل هذا الإيمان إذ اتضح لها أنه سيظل حيًا. وبذلك قررت أن تعود للمسيح رغم علمها أن ذلك سيكلفها كثيرًا. كان عمر عايدة 21 سنة عندما تجدد إيمانها بالمسيح وكانت تود أن تخبر كل إنسان عن يسوع المسيح المخلص الوحيد.
حدثت صحوة في الكنيسة وبدأ الناس يملون فكر الإلحاد واستعادوا إيمانهم بالمسيح يسوع، صار الضعفاء أقوياء، وقام الأموات بالروح. وعرفت عايدة عظمة التواضع والصبر وعظمة كفاح الكنيسة. ثم قالت في نفسها: لا أستطيع أن أكون سلبية وغير متواجدة في هذا الموقف. شاهدت أصدقائها يكتبون بعض آيات الإنجيل على كروت ويحثون الناس على التوبة والإيمان، ويضعون هذه الكروت في صناديق البريد. ورأت أن هذا أمر حسن وتستطيع هي أيضًا أن تعمله.
جاء عام 1962 فاشترت مجموعة كروت تهنئة وكتبت عليها: “إن أعوامنا ـتمضي وكل شئ سينتهي … أي جواب ستعطي أمام خالقك؟ فكر بعمق لأنك لابد أن تغادر هذا العالم الزائل، أطلب الله فهو موجود معك. تُب وآمن بالإنجيل”. ثم خرجت توزع هذه الكروت في البرد القارص أمام متحف التاريخ والعقيدة.
وإذ قربت من الانتهاء أمسكت بها يد قوية وسمعت صوتًا غاضبًا يسألها: “ما هذا؟”
أما هي فردت بهدوء: “كارت معايدة بالعام الجديد”.
أخذها لقسم البوليس حيث احتُجِزَت بضع ساعات وحُكِم عليها بتهمة التبشير عن طريق الكروت، وبهذا هي لا تصلح للعمل. إلا أنها استمرت في حضور الاجتماعات الروحية وتوزيع المجلات والمطبوعات المسيحية وتعليم الأطفال.
قُبِض عليها مرة ثانية وقُدِمت للمحاكمة فطلبت من القاضي أن يسمح لها بالدفاع عن نفسها فأذن لها بذلك. وجه القاضي اتهاماته ثم سألها إن كانت تفهم هذه الاتهامات، أجابت بثقة وهدوء: نعم.
سألها: هل تقرين أنك مذنبة؟
أجابت بحزم: لا.
سألها إن كانت تريد أن تعطي المحكمة تفسيرًأ لِما فعلته، أما هي فأجابت أن ما تقوم به ليس جريمة تحت الفقرة 190/1، وبهذا هي ليست مذنبة. قال لها أنها تخالف القانون لأنها تُعَلِّم الأطفال مبادئ الدين المسيحي، أما هي فانفجرت قائلة: إن القانون لا يمنع فرض الإلحاد … ماذا نقول للطفل إذا كان القانون يمنع أن نقول أن الله موجود ويسمح أن نقول أنه لا يوجد إله؟
وعند ذلك غير القاضي الموضوع وحكم عليها بالسجن لمدة سنة فيما يسمونه “معسكر التثقيف”، أي تعليم النزلاء أنه لا يوجد إله. لم تستجب عايدة للتثقيف الشيوعي بل صار إيمانها أكثر عمقًا وقوة.
وجدت عمل في مطبعة بعد مشقة كبيرة وصارت تبشر بحقيقة المسيح بحماس أكبر وهي تعرف جيدًا ثمن هذا التبشير، فقُبِض عليها مرة ثالثة. قالت في دفاعها أنه لا يوجد أبوان مسيحيان يقبلان أن يُرَبيا أطفالهما على مبادئ الإلحاد، لقد أوصانا المسيح أن نبشر بالإنجيل ولا نستطيع أن نخضع لقانون يمنعنا من ذلك، وعندما نُحاكَم بتهمة كسر القانون فإننا بحق نُحاكَم من أجل إيماننا.
حُكِم عليها بالسجن ثلاث سنوات مع الأشغال (الشاقة)، لكن حبسها لم يوقف عملها.
تم نسخ محاكمتها علي 20 قطعة قماش قُطِعَت من ملاءات السراير ووُزِعت خارج الاتحاد السوفيتي، وقرأ المؤمنون كلمات عايدة “فتاة لننجراد” وصلوا من أجلها
أُطلِق سراحها بعد أن أكملت مدة عقوبتها في 12 إبريل 1971 بعدما اكتسبت فهمًا أعظم للفرح الحقيقي والرضا الداخلي.
“فَمَتَى أَسْلَمُوكُمْ فَلاَ تَهْتَمُّوا كَيْفَ أَوْ بِمَا تَتَكَلَّمُونَ لأَنَّكُمْ تُعْطَوْنَ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ مَا تَتَكَلَّمُونَ بِهِ 20 لأَنْ لَسْتُمْ أَنْتُمُ الْمُتَكَلِّمِينَ بَلْ رُوحُ أَبِيكُمُ الَّذِي يَتَكَلَّمُ فِيكُمْ” (مت10: 19-20).
قصة واقعية معاصرة: عايدة الروسية بطلة إيمان.
اية للحفظ