عرسان السماء

أحب “حبيب فرج” الخادم بكنيسة الأنبا أنطونيوس بشبرا الحياة مع الله، ونما في الصلاة والنسك فكان يقف للصلاة ساعات طويلة. أما الصوم فكان يظل صائمًا أيامًا متتالية دون أي طعام.

أحب حياة الوحدة، وكان يخرج للخلوة في المزارع التي كانت بجوار قطار السكة الحديد في نهاية حي شبرا، في الثلاثينات من القرن العشرين. وأراد حبيب أن يترهَّب ولكن الظروف منعته.

أراد والده تزويجه رغمًا عن إرادته، فذهب إلى المحلة الكبرى ليخطب له إبنة عمُّه ولم يأخذه معه لأنه يعلم أنه سيرفض.

أما عمه فقال لأبيه: “يا خويا “حبيب” عايز البتولية، هو شاب حلو أوي ولكن مينفعش يتجوز بنتي … سيبه يعيش زي ما هو عايز”.

عاد الأب بحزن إلى القاهرة، وعلم “حبيب” بالروح ما حدث فقال لأبيه: “ماتزعلش يا بويا عشان عمي رفض يجوزني بنته “كوكب”، عشان كوكب مش هتتجوز … دي عروس للسماء وهتموت قريب وأنا هاحصَّلها من غير ما اتجوز”.

إنتهره أبوه بشدة لأنه تمنى الموت لابنة عمه وكذلك لنفسه.

تمت خطبة إبنة عم “حبيب” رغمًا عنها لأحد الشبان، وفي يوم زواجها ذهبت إلى الكوافير وهناك نزفت الدم من أنفها ثم انتقلت إلى السماء وهي بتول لتحقق كلام “حبيب”.

وبعد انتقال إبنة عم “حبيب” بفترة قليلة، إنتقل أيضًا “حبيب” إلى السماء وهو مازال بتولاً في الميعاد الذي حدَّدته له السيدة العذراء، وكتبه بمفكرته بعد أن قضى ليلته في الصلاة. وهكذا لحق “حبيب” بابنة عمه وصار الإثنان عريس السماء وعروسة السماء.

السماء مكان فرح الأبرار يجتمعون كلهم حول المسيح في صلوات وتسابيح دائمة وفي فرح لا يُعّبَّر عنه.

تستطيع أن تتذوق حلاوة السماء وأنت على الأرض، إن أعطَيتَ وقتًا كافيًا للصلاة والتسبيح، وبهذا تستعد كل يوم للحياة السماوية.

تدبيرك فاق العقول: الجزء الخامس.

عروس مرتين

روهوم بنت أزمع الشريفة هي زوجة الشريف الحارث بن كعب رئيس قبائل نجران باليمن، الذي استشهد هو وعدد غفير من المسيحيين في الاضطهاد الذي أثاره الملك ذو نواس اليهودي على المسيحيين الحميريين (اليمنيين).

بعد المذبحة التي أقامها الملك وقتل فيها الشريفات والإماء، أرسل إلى روهوم بنت أزمع الشريفة يقول لها: “إذا كفرتِ بالمسيح عشتِ وإلا مُتِّ”.

فلما سمعت كلماته نزلت إلى الشارع صارخة قائلة: “إسمعن أيتها النساء النجرانيات المسيحيات رفيقاتي وغيرهن من اليهوديات والوثنيات. إنكن تعلمن أنني مسيحية وتعرفن جنسي وعشيرتي ومن أنا، وأن لي ذهبًا وفضة وعبيدًا وإماء وغلات ولا يعوزني شيء. والآن وقد قُتل زوجي من أجل المسيح، فإذا شئت أن أصير لرجل لا يعسر عليَّ إيجاد رجل. وأنه عندي اليوم أربعين ألف دينار في خزينتي ماعدا خزينة زوجي، وحُليّ وجواهر وحجارة كريمة رآها بعضكن في بيتي.

“وأنتن تعرفن أنه ليس للمرأة أيام فرح مثل يوم زفافها، ومنذ ذلك الحين تلازمها الضيقات والآلام، فحين تلد أولادًا تلدهم بالبكاء وحين تُحرم من ولادة أولاد تكون في ضيق وحزن، وكذلك حين تدفن أولادها. أما أنا فمنذ اليوم سأبقى في فرح أيام عرسي الأول، وهوذا بناتي الثلاث قد زينتهن للمسيح بدلاً من أزواجهن، فانظرن إليَّ: أنكن ترين وجهي مرتين أي في زفافي الأول وفي هذا الثاني أيضًا، فقد دخلت مرفوعة الجبين أمام جميعكن إلى خطيبي الأول، والآن أيضًا أذهب مرفوعة الجبين إلى المسيح ربي وإلهي وإله بناتي. وها أنا أذهب للمسيح ربي دون أن أُدنس بكفر اليهود.

“وليكن جمالي وذهبي وفضتي وعبيدي وإمائي وكل ما لي شهودًا بأني لم أفضل محبتها على الكفر بالمسيح. وحاشا لي أن أكفر بالمسيح إلهي الذي آمنت به واعتمدت وعمدت بناتي بإسمه. وأنا أسجد لصليبه، ومن أجله أموت أنا وبناتي مثلما مات هو من أجلنا. ها أنا أترك ذهب الأرض للأرض.. وليكن دم إخوتي وأخواتي الذين قتلوا من أجل المسيح سورًا لهذه المدينة إذا ثبتت مع المسيح ربي. صلين من أجلي”.

ثم خرجت روهوم من المدينة ووقفت أمام الملك وهي تمسك بناتها بيديها، ثم صاحت للملك: “إنني وبناتي مسيحيات ومن أجل المسيح نموت فاقطع رؤوسنا”.

فرد عليها الملك قائلاً: “قولي فقط أن المسيح إنسان وابصقي على الصليب وامضي إلى بيتك أنت وبناتك”.

أما حفيدة الطوباوية روهوم وكانت في التاسعة من عمرها، إذ سمعت هذا الكلام ملأت فاها بصاقًا وتفلت على الملك وقالت له: “يعلم المسيح أن جدتي أشرف من أمك وعشيرتي أنبل من عشيرتك. ألا فليسد فمك أيها اليهودي القاتل ربه”.

ثم أمر الملك فألقوا جدتها على الأرض ولتخويف جميع المسيحيين ذُبحت عليها هذه الفتاة، فسال دمها في فم جدتها. ثم ذُبحت ابنة الطوباوية واسمها آمه، وسال دمها أيضًا في فم أمها. ثم أقامها الملك من على الأرض وسألها: “كيف تذوقت دم ابنتيك؟” أجابته: “إني تذوقته كقربان طاهر لا عيب فيه”.

فأمر الملك بقطع رأسها في الحال فنالت إكليل الشهادة هي وابنتها وحفيدتها.

قاموس آباء الكنيسة وقديسيها.

اية للحفظ

  • “إستمع صلاتي يا رب واصغ إلى صراخي لا تسكت عن دموعي لأني أنا غريب عندك نزيل مثل جميع آبائي” (مز39: 12)