في نفس الوقت

قصتنا هذه مع رجل طيب متزوج، وله مجموعة من الأبناء والبنات، وقد أنعم عليه الله براحة مادية فكان يملك عمارة يسكن هو نفسه فيها، وكانت له علاقة قوية بالكنيسة وربى أولاده على محبة الله وخدمته، وعاش الكل في محبة وسلام.

كان هذا الرجل يميل إلى خدمة كل إنسان محتاج للخدمة، بل كان يفرح بعمل الخير ويسعى نحوه سواء مع أقاربه أو معارفه أو جيرانه أو أي إنسان يضعه الله في طريقه.

من كثرة عمل الخير وبذله وتضحياته، كان المحيطون به يلومونه إشفاقًا عليه، إذ كان لا يتأخر عن مساعدة كل من يطلب منه، بل دون أن يطلب كان يتقدم إليه ويعرض عليه خدماته.

في أحد الأيام كان في الكنيسة، وكان يجلس مع أحد الكهنة الذي تكلم معه عن مشكلة قِلة أماكن استضافة المغتربين من البلاد للدراسة خاصة لو كانوا من البنات. وهنا قال الرجل لأبونا:

  • “أنا يا أبونا عندي مكان ينفع تعمل فيه بيت مغتربات، أنا مش عندي شقة بس فاضية، أنا عندي دور كامل إن حبيت إعمل فيه اللي إنت عايزه”.

فرح الكاهن جدًا وقال للرجل:

  • “مش هلاقي أحسن من كده. إنت بيتك في مكان كويس وكده يبقى البنات المغتربات ساكنين معاك في العمارة وحِسَّك عليهم”.

  • “أتفضل يا أبونا من بكرة إعمل اللي إنتَ عايزه، وقدسك تبقى مشرف على البيت وتعمل كل ترتيباتك، وأنا هجهز كل الشقق من بكرة”.

جهز الرجل بيت المغتربات، الذي امتلأ بالكثيرات من بلاد مختلفة، كل هذا تحت رعاية الأب الكاهن. وبالفعل عشن هؤلاء المغتربات في راحة وسلام، خاصة أن الرجل كان لا يتأخر عن تقديم الخدمات التي يحتاجونها، وكان يسمح لهن باستخدام تليفونه الشخصي الموجود في بيته.

في أحد الأيام بينما كان الرجل يجلس مع أسرته في بيته، سمعوا صراخًا آتيًا من بيت المغتربات، فتعجبوا جدًا وقال الرجل لزوجته أن تذهب لتعرف السبب. فعلمت أن إحدى المعتربات قد أتاها خبر موت والدها في البلد، وهي تبكي بشدة، وتحاول زميلاتها تهدئتها خاصة وأنها في حيرة كيف تذهب بسرعة إلى بلدها مع صعوبة وجود وسيلة مواصلات في هذا الوقت لتوصيلها إلى بيت والدها.

وهنا قال الرجل: “أنا مستعد أوصلها بسيارتي”.

فقال له أهل بيته “هذا مجهود كبير عليك”.

ولكنه أشفق على البنت، وقال أبلغوها إني سأوصلها فلتستعد حالاً. وبالفعل أوصل البنت إلى بيت والدها، وعاد إلى بيته متأخرًا ولكن كانت الابتسامة على وجهه لأنه استطاع أن يحل مشكلة بنت من بناته.

رأى أهل بيته وكل المحيطين به محبة الرجل لعمل الخير وشكروه، بل وصار قدوة لهم في عمل الخير مع كل إنسان.

ومرَّت الأيام، وبعد أسبوع وصل خطاب من أحد أبناء هذا الرجل الذي كان طالبًا في كلية الطب وسافر إلى ألمانيا للعمل في الإجازة الصيفية.

أخبر الإبن أباه في الخطاب باهتمام الله به، وكيف أنقذه بمعجزة عظيمة. إذ أنه في أحد الليالي – وذكر له التاريخ – كان سائرًا في أحد الشوارع وضَلَّ الطريق إلى بيته، فسار مسافات طويلة ولم يستطع الرجوع إلى البيت، فأخذ يصلي ويطلب من الله أن ينقذه، خاصة وأن الساعة وصلت إلى الثالثة من فجر اليوم التالي. فوجد رجلاً ظهر له فجأة، وكان رجلاً أنيقًا يبدو عليه أنه ذو مركز كبير، وشعر الرجل بحيرته فأقبل عليه وسأله هل يحتاج لخدمة؟ فأخبره الشاب بما هو فيه، فطمأنه الرجل بأنه يعرف المكان الذي يريد أن يصل إليه، بل عرض عليه أن يوصله إليه خاصة وأن هذا الشاب كان يقف أمام بيت هذا الرجل، ثم أخرجه الرجل سيارته من الجراج وأخذ الشاب معه وأوصله إلى بيته.

تعجب الرجل الذي تعود عمل الخير مما حدث لإبنه، خاصة وأن التاريخ الذي ذكره ابنه هو نفس الوقت الذي أوصل فيه الرجل الشابة المغتربة إلى بلدها، وتعجب كل أهل البيت من عمل الله الذي يؤكد فرحه واهتمامه وبركته لكل من يعمل الخير إذ لابد أن يكافئه الله.

إن عمل الخير هو الحب العملي الذي تُظهِر به المسيح لمن حولك دون أن تتكلم، فالحب هو اللغة الوحيدة التي يعرفها البشر جميعًا وتصل إلى قلوبهم ويتأثروا بها.

قدِّم الخير مادمت قادرًا عليه، حتى لو تكلفت جهدًا إضافيًا، وحاول أن تشعر بمن حولك قبل أن يطلبوا منك، واعرض عليهم محبتك فقد يخجلوا من أن يطلبوا منك، وتذكر أن الله يصنع معك الخير قبل أن تطلبه.

تدبيرك فاق العقول: الجزء السادس.

اية للحفظ

    • “لنلاحظ بعضنا بعضًا للتحريض على المحبة والأعمال الحسنة” (عب10: 24)