قبل اهتدائي إلى الإيمان كنت قد سمعت من خلال أصدقائي المنتمين لفلسفة “اليوجا” عن “الحكيمَين الروحيِيَن” العظيمين كما كانوا يدعون الأب جاكوب وأنطون، هذين الشيخين الروحيين الشهيرين لدير بيتخوري Petchory . فالآباء الروحيون يتعاملون مع كل الناس، حتى مع اليوجيين، وهم على وعي تام بالأحوال التي تجري الآن في روسيا. يعلمون أن المسير نحو الله قد بات أكثر صعوبة عما قبل. واليوجا في الواقع كانت للكثيرين منا الخطوة الأولى نحو المسيح.
كان الأب تيخون هو أول شيخ روحي قَدِرت أن أتقابل معه.. فبعد خدمة صلاة طويلة في القداس الإلهي في كنيسة صغيرة من الخشب، وبعد تناول وجبة بسيطة في “كانتين” الدير، وكان ديرًا للراهبات بالقرب من ريجا، توافد الشعب نحو البيت المتواضع الخاص بالأرشيمندريت تيخون.
قد سمعت عنه قبل أن أراه، أنه عندما كان صبيًا صغيرًا غرق، حتى بلغ إلى العمق، وإذ وضع يديه على صدره في شكل صليب واصل الصلاة. أما النهر الذي كان فائرًا وفائضًا بسبب الذوبان الطبيعي للثلوج، فقد رفعه إلى السطح وألقاه على الشاطئ، وهكذا نجا بمعجزة. وككل الآباء الروحيين المشهورين تقريبًا، قضى الأب تيخون بعد ذلك أعوامًا عديدة في معسكرات الاعتقال والسجون (يُروَى أنها بلغت خمسة وعشرين عامًا).
يُحكى عن الأب تيخون أنه عندما كان في معسكر الاعتقال، وبالرغم من الأسلوب العنيف الذي كان يُعامَل به والذي لا رحمة فيه، إلا أنه كان يجد بعضًا من الوقت ليحتفل بالقداس الإلهي يوميًا. كان ينهض مبكرًا ساعة قبل الآخرين، وكان يُقَدِّس وحده بصوت خافت وبغاية الهدوء. أما في المساء فكان يتفرغ لخدمة المعتقلين الآخرين في المعسكر – وكان هؤلاء من المجرمين مرتكبي الجرائم ضد القانون العام – إلا أنه لم يكن قط يعنفهم أو يعظهم ليستميلهم إلى الإيمان، ولا حتى كان يُلَمِّح لهم بالكلام لا من بعيد ولا من قريب. ولكن الأمر العجيب الذي حدث – حسب رواية راهبات الدير – أن غالبية من كانوا مع الأب تيخون في المعسكر خرجوا من المعتقل مؤمنين في غاية العمق.
قصص مسيحية من واقع الحياة: 18: المصالحة مع الله.
صانعة سلام
عاشت العذراء بيامون Piamon في إحدى قرى الصعيد مع والدتها بروح تقوية نسكية، تقضي حياتها في سهرٍ روحي، تأكل مرة واحدة كل يوم عند المساء، وتمارس غزل الكتان. وقد استحقت هذه الطوباوية أن تنعم بموهبة معرفة الأمور قبل حدوثها.
إذ حدث نزاع بين أهل قريتها وأهل قرية مجاورة بسبب مياه الري “النيل” حدثت مشاحنات راح ضحيتها بعض سكان القريتين. وإذ كان أهل القرية الثانية مملوئين عنفًا وشراسة دبروا خطة لهجوم مفاجئ. كشف الرب لهذه البتول عن الخطة فأرسلت إلى أراخنة الكنيسة تبلغهم الأمر، أما هم فخافوا جدًا من الذهاب إليهم وإقامة صلح معهم لئلا يصنعوا بهم شرًا، فطلبوا منها إن أرادت إنقاذ قريتها وبيتها أن تذهب بنفسها وتلتقي بهم.
لم ترد البتول أن تذهب، فصعدت إلى سطح بيتها وقضت الليل كله في توسلات ومطانيات لا تتوقف، صارخة لله، قائلة: “أيها الرب، ديان الأرض، الذي لا يُسر بالظلم، ليته يا ربي إذ تبلغ إليك صلاة عبدتك وتوسلاتها توقف العدو في الموضع الذي هم فيه”.
بالفعل كان العدو على بعد ثلاثة أميال تقريبًا، فشعروا أن قوة قد جمدتهم عن الحركة، وأُعلن لهم أن ما حلّ بهم هو بسبب صلوات هذه القديسة. للحال أرسلوا إلى سكان القرية يطلبون المصالحة مع رسالة جاء فيها: “أشكروا الله، فإن صلوات بيامون قد منعتنا من المجىء إليكم”.
“الذين بالإيمان قهروا ممالك صنعوا برًا نالوا مواعيد سدوا أفواه أسود. أطفأوا قوة النار نجوا من حد السيف تقووا من ضعف صاروا أشداء في الحرب هزموا جيوش غرباء. أُخِذت نساء أمواتهن بقيامة وآخرون عذبوا ولم يقبلوا النجاة لكي ينالوا قيامة أفضل. وآخرون تجربوا في هُزءٍ وجلد ثم في قيود أيضًا وحبس. رُجِموا نُشِروا جُرِبوا ماتوا قتلاً بالسيف طافوا في جلود غنم وجلود معزى معتازين مكروبين مذلين. وهم لم يكن العالم مستحقًا لهم تائهين في براري وجبال ومغاير وشقوق الأرض” (عب11: 33-38).
قاموس آباء الكنيسة وقديسيها.
اية للحفظ
“أن تقدموا أجسادكم ذبيحة حية مقدسة مرضية عند الله عبادتكم العقلية” (رو12: 1)