مش هدخل الكنيسة أبدًا
كانت هذه الزوجة في الثلاثينات من عمرها، تحيا حياة هادئة مع زوجها وأبنائها، وكانت علاقتها بالكنيسة محدودة. وسمح الله لها بتجربة في غاية الصعوبة، وهي موت ابنها. فحزنت حزنًا شديدًا وشعرت أن التجربة فوق طاقتها.
حاول الأقارب والأحباء تعزيتها فلم تقبل أي تعزية، وكذلك رفضت كلمات الإرشاد والنصح من كل المحيطين بها، ولم تستفد من زيارات الكهنة والخدام إذ كان حزنها مسيطرًا عليها حتى أنها قالت:
” أنا مخاصمة ربنا … ومش هدخل الكنيسة أبدًا … ليه يعمل فيَّ كده؟”
أعطت إحدى الخادمات اسم هذه السيدة وعنوانها لكاهن من كهنة كنيسة مارمرقس بمصر الجديدة ليفتقدها، لعلها تسمع منه وتتأثر بكلامه. وعندما قرأ الكاهن العنوان، وجده في منطقة كاهن زميل له، إذ أن الكنيسة مقسمة إلى مناطق وكل منطقة يهتم بافتقادها أحد الكهنة. وقرر أن يعطي العنوان لزميله الكاهن المسئول عن المنطقة.
وفي وسط مشاغل الخدمة، نسى الكاهن أن يعطي العنوان لزميله مع أنه قابله وتكلم معه سبع مرات خلال أسبوعين.
في إحدى الليالي ذهب الكاهن الذي معه العنوان لافتقاد إحدى الأسر، ولكن عند الاتصال بهم اعتذروا عن استقباله في هذه الليلة، فوجد أمامه وقتًا وأراد استغلاله في افتقاد أسرة أخرى. مدَّ يده داخل جيبه ففوجئ بعنوان هذه السيدة الذي نسيه لمدة أسبوعين، فتأثر جدًا لتقصيره وقرر أن يصلح خطأه بأن يذهب سريعًا إلى هذه السيدة ليفتقدها.
وصل الكاهن إلى عنوان هذه السيدة، وعندما طرق الباب فتحت له سيدة في الثلاثينات من عمرها. وعندما رأته تراجعت بسرعة إلى الخلف حتى أنها اصطدمت بالمائدة! فتسمر الكاهن في مكانه على الباب، وصمتت السيدة التي كانت تنظر إلى الكاهن بذهول، ومرَّت اللحظات بطيئة جدًا، وبعدها أفاقت السيدة من تعجبها فدَعَت الكاهن للدخول إلى المنزل.
بعد جلوس الكاهن، سألته السيدة بحدة ودهشة قائلة:
“إيه اللي جابك النهاردة عشان تزورني؟!”
أجاب الكاهن بخجل أنهم أعطوه هذا العنوان ولكنه نسى أن يعطيه لزميله الكاهن لمدة أسبوعين، ولكن الله ذكَّره اليوم فأتى لافتقادها لأنه سمع بمشكلتها وهي موت ابنها.
وهنا فتحت السيدة فمها لتحكي للكاهن قصة في غاية الغرابة، فأعلنت له أنها لم تحتمل فقدان ابنها وخاصمت الله. قررت ألا تدخل الكنيسة أبدًا، ولكن زوجها تعرض لظروف صعبة استدعت زيارته لأحد الأطباء في مستشفى كليوباترا التي بجوار كنيسة مارمرقس، فذهبت معه لتطمئن على صحته.
وعندما وصل إلى المستشفى قال زوجها لها إنه يريد أن يصلي بالكنيسة قبل الدخول إلى الطبيب. فذهبت معه إلى الكنيسة وطلب الزوج منها أن تدخل ليصليا فرفضت، وعندئذ دخل الزوج ليصلي، أما الزوجة فرأت من الخارج الكنيسة ممتلئة وأحد الكهنة واقفًا يعظ، وسمعت عن بُعد الكلمات التي كان يقولها وهي:
“ربنا بيحبنا حتى لو كان فيه أعمال المسيح بيسمح بيها معانا إحنا مش فاهمينها أو حتى مش عجبانا”
تأثرت السيدة بهذه الكلمات تأثُر محدود، فطلبت من الله في صلاة سرية داخلها:
“إن كنت بتقصدني يارب بالكلام ده فأنا عايزه أبونا ده ييجي يزورني في بيتي”
قالت السيدة هذه الكلمات في نفسها، وهي واثقة أن تحقيق هذا الأمر شبه مستحيل إذ أن اليأس كان مسيطرًا عليها، ولكن كلمات الكاهن أعطتها رجاء صغير كنور خافت في داخلها.
ثم قالت السيدة للكاهن الذي يجلس أمامها:
“إني فوجئت اليوم أي بعد أقل من 24 ساعة إنك تقف على باب شقتي فذُهِلت، ومن ذهولي تراجعت في خوف ورعدة أمام عمل الله”
شعر الكاهن بتدبير الله العجيب، فتشجع وبدأ يحدث السيدة عن محبة الله وعمله، وأن تدابيره تفوق عقولنا، وهي دائمًا لخيرنا، وكانت السيدة صامتة تسمع ووجهها ينطق بهدوئها وسلامها الذي ظهر في النهاية بكلمات شكر للكاهن ووعدته أن تصالح الله وتصلي اليوم وتأتي غدًا إلى الكنيسة.
إنصرف الكاهن، بعد أن صلى مع السيدة، وخرج بفرح عظيم شاكرًا تدابير الله التي يحوط بها كل أولاده.
إن التجربة الثقيلة التي لا تستطيع احتمالها، ستصبح سهلة إن أدخلت الله ليحملها معك. لا تستسلم للحزن، بل اطلب معونة الله مهما كنت متألمًا لأنه قريب جدًا منك ويريد مساندتك، إن رفعت قلبك إليه.
إن الله يعرف ضعفك وشكوك إبليس التي تحاربك، وهو مستعد أن يقنعك بطرق شتى، ولكن المهم أن تقترب إليه ولا تصر على رفضه، لا ترفض صوته إنه يريدك ليرفع عنك كل أتعابك.
تدبيرك فاق العقول: الجزء السادس.
اية للحفظ
.(أش ٢٥ : ١) j ” يا رب أنت إلهي أعظمك أحمد اسمك لأنك صنعت عجبًا”