هل المرض النفسى خطية ؟
هل المرض النفسى خطية ؟
يعانى الكثير منا من القلق والاكتئاب وغيرها من الامراض النفسية كما يوجد كثيرون ممن يعانون من الخوف والتشكك .
وكثيراً ما نتساءل:
ما هو موقفنا مع الرب في هذه الحالات ؟
هل ينقصنا الايمان ؟
ألسنا مسيحيون حقيقيون لأننا لا نُقدر محبة الله ؟
ألخ من اسئله…
كثير من هذه الاسئلة تلح على أولاد الله الذين يعانون من الامراض النفسية ولا يجدون لها اجابة شافية .
جائنى شاب يعانى من مرض القلق النفسى ، وقد أرسل لى هذا السؤال الذى أطرحه عليكم بعد الاستئذان منه.
عزيزى ابونا عندى لك سؤال روحى :-
أثناء علاجى من حالتى هذه تجول بذهنى بعض الايات التى تدين الخوافون والجبناء مثل هذه الاية :
” و اما الخائفون و غير المؤمنين و الرجسون و القاتلون و الزناة و السحرة و عبدة الاوثان و جميع الكذبة فنصيبهم في البحيرة المتقدة بنار و كبريت الذي هو الموت الثاني” (رؤ٨:٢١)
كثيراً ما أظن أننى بعيد عن الله لان القريبون منه لا يعوزهم شئ ولا يخيفهم شئ كما تنص مزامير كثيرة.
لقد تكلمت معك عن شخصيتى الخوافة وكيف أننى اخاف من أشياء كثيرة . لذلك كثيراً ما أعتقدت اننى جبان ، عديم الايمان ينقصنى الثقة والايمان بالله .
لا أريد ان اخسر أبديتى لهذا السبب فهل هذة خطية أم حالة مرضية ؟
أجبته قائلاً :
هناك مشاعر طبيعيه يتعرض لها الانسان نتيجة تفاعله مع المؤثرات والظروف التي يتعرض لها. فالله خلق فينا المشاعر الإنسانيه وهي تنتج عن الوظيفه الطبيعية للجهاز العصبي.
هذه المشاعرمثل الفرح والحزن والهدؤ والغضب وغيرها هي هبه من الله للإنسان تعكس صورته ومثاله. وهناك امثله كثيره في الكتاب المقدس بعهديه يصف مشاعر الله بصفات تماثل مشاعرنا الإنسانيه ومن أمثلة ذلك:
“فحَميَ غَضَبُ الرَّبِّ في ذلكَ اليومِ وأقسَمَ قائلًا:” (العَدَد١٠:٣٢)
– رَجُلُ أوجاعٍ ومُختَبِرُ الحَزَنِ، وكمُسَتَّرٍ عنهُ وُجوهنا، مُحتَقَرٌ فلَمْ نَعتَدَّ بهِ.” (إشَعياءَ ٣٥:٣)
فلَمّا رآها يَسوعُ تبكي، واليَهودُ الّذينَ جاءوا معها يَبكونَ، انزَعَجَ بالرّوحِ واضطَرَبَ، وقالَ: «أين وضَعتُموهُ؟». قالوا لهُ: «يا سيِّدُ، تعالَ وانظُرْ». بَكَى يَسوعُ.” (يوحَنا٣٣:١١)
“ثُمَّ أخَذَ معهُ بُطرُسَ وابنَيْ زَبدي، وابتَدأَ يَحزَنُ ويَكتَئبُ. فقالَ لهُمْ: «نَفسي حَزينَةٌ جِدًّا حتَّى الموتِ. اُمكُثوا ههنا واسهَروا مَعي».”
(مَتَّى ٣٧:٢٦)
لقد اعطانا الله هذه المشاعر الطبيعية لكي نتعامل معه ومع الآخرين بالحب والفرح والسلام
كما اعطانا إمكانية الحزن علي الخطيه والغضب علي الشر.
اما بالنسبة المشاعرالغير طبيعيه فمن المهم جداً ان نفرق بين نوعين منهما. نوع يقع تحت إطار الضعف الروحي فقط ونسميه هنا “المشاعرالخاطئه“ ونوع اخر يقع تحت إطار المرض النفسي ونسميه “الاضطرابات المزاجيه“.
اولآ: المشاعرالخاطئه روحيآ:
لا شك ان كثيرين منا يختبر مشاعر تخرج عن الإطار الالهي مثل الحزن المفرط، الغضب الشديد، القلق المؤرق او الخوف و خلافه من مشاعر تكشف عن ضعف الانسان الروحي وعادة ما تكون نتيجة قلة الإيمان والابتعاد عن حياة النعمه وأحيانآ الالتصاق بالخطيه او الاعتماد علي ذراع البشر او الماديات.
وكما أشرت في سؤالك، ان الكتاب المقدس يشير الي هذه المشاعر الخاطئه، فمثلإ يقول:
” و اما الخائفون وغيرالمؤمنين والرجسون والقاتلون والزناة والسحرة وعبدة الاوثان وجميع الكذبة فنصيبهم في البحيرة المتقدة بناروكبريت”.(رؤ٨:٢١)
وايضآ:
“لأنَّ غَضَبَ الإنسانِ لا يَصنَعُ برَّ اللهِ(يع٢٠:١)
ولعلك تتسائل:
كيف دخلت هذه المشاعرالخاطئه الى الانسان المخلوق على صوره الله ومثاله ؟
من المهمً ان نفهم ان مصدر هذه المشاعرالخاطئه ليس هو الله ولا كانت هذه إرادة الله لنا منذ البدء.
ولكن توجد علاقة أكيدة بين المشاعرالخاطئه وبين الفساد الذى حدث بعدما أخطأ أجدادنا الاوائل أدم وحواء. والدليل علي ذلك هو التدهور الجوهري في مشاعر اباؤنا الاولين بعد السقوط.
” فقال سمعت صوتك في الجنة فخشيت لاني عريان فاختبات ” (تك١٠:٣)
لقد عبر هذا الفساد من جيل إلى جيل بسبب وراثتنا لطبيعة فاسدة حامله عوامل وراثية فاسدة . مما جعلنا معرضون لأعراض الخوف والقلق والحزن المفرط، وغيرها من جيل إلى جيل.
وقد أثبتت الدراسات الحديثة فى علم الوراثة انه يمكن ان يحدث تغيرات فى الچينات الوراثية نتيجة العوامل البيئية او الخبرات التى يمر بها الانسان .
لذلك بعد سقوط ادم وحواء واختلاف حياتهم الجوهري لابد وان بدأت تتغير چينات الانسان عن خلقته التي كانت علي مثال الله.
لذلك يذكرنا الله فى بداية الاصحاح الخامس من سفر التكوين بخلقه أدم الانسان الاول الذي يحمل چينات مقدسة على صوره الله ومثاله،
ثم يذكر بوضوح انه أثناء سنى حياة أدم المائة والثلاثون حدث تغيير ما نتج عنه ان شيث ابن ادم لم يكن كشبه الله بل كشبه أدم نفسه.
وكان هذا التغيير بسبب السقوط وما تلاه من تغيير وتدهور سلوكى أدى الى تغيير تركيبة الچينات المقدسة إلى تركيبة أخرى ليست هى على صورة الله.
” هذا كتاب مواليد ادم يوم خلق الله الانسان على شبه الله عمله ذكرا و انثى خلقه و باركه و دعا اسمه ادم يوم خلق و عاش ادم مئة و ثلاثين سنة و ولد ولدا على شبهه كصورته و دعا اسمه شيثا (تك٥: ١–٣)
ومن هذه النقطه نفهم كيف تدنت الطبيعه الإنسانيه جيل من بعد جيل حتي أدت الي حاله فاسده سيئه جدآ معرضه للمشاعر السلبيه الخاطئه.
” وراى الرب ان شر الانسان قد كثر في الارض وان كل تصور افكار قلبه انما هو شرير كل يوم” (تك٥:٦)
ولعلك هنا تتسائل:
فما هي مسؤليتنا عن هذه المشاعر الخاطئه الموروثة ؟
وقبل ان اجاوب علي هذا السؤال من المهم جداً ان اذكرك اننا في هذه النقطه ما زلنا نتكلم عن المشاعر النفسيه الخاطئه الغير مرضيه بمرض عضوي كيميائي في المخ اي انها لم تدخل تحت إطار المرض النفسي.
يجب ان نعلم انه بالرغم من ان هذه المشاعرالخاطئه قد تكون موروثه نتيجه توارث فساد الطبيعه الإنسانيه الا انها تكون تحت سيطرة الانسان وطوع ارادته الحره، وهنا يأخذ كل منا دوره في حرية الاختيار بين السيطره علي هذه المشاعر بقوة ومعونة الله وشركة العمل مع الروح القدس وبالتالي تحسينها وعدم توريثها مره اخري، وبين الاستسلام لها كما استسلم آباؤنا الأوائل للخطيه الأولي، فتستمر عملية التوريث لأجيال اخري.
وهذا ما قصده الكتاب المقدس بقوله ان الله يفتقد ذنوب الاباء فى الابناء للجيل الثالث والرابع .
” لا تسجد لهن و لا تعبدهن لاني انا الرب الهك اله غيور افتقد ذنوب الاباء في الابناء و في الجيل الثالث و الرابع من الذين يبغضونني” (تث٩:٥)
هنا واجد نفسي مره اخري أوكد علي اننا في هذه النقطه نتكلم فقط عن المشاعر الخاطئه التي لم تصل لحد الأمراض الإكلينيكية.
فهذه فقط هي الحالات التي يمكن ان نتعامل معها بالتصميم والارادة والانشطة والممارسات الروحية بدون تدخل علاجي.
و هذه ايضآ هى الامور التى سنحاكم بسببها ان لم نصلحها بإيماننا وشركتنا مع عمل الروح القدس كما توضح الاية المذكوره في سؤالك.
الله عادل و سيحاكمنا فقط علي حسب مقدرتنا علي التعامل مع ما ورثناه.
و فقط حسب ما فعلناه لنحارب هذه الطبيعة الفاسدة بإمكانياتنا المتاحة.
فيقول:
” لا يقتل الاباء عن الاولاد و لا يقتل الاولاد عن الاباء كل انسان بخطيته يقتل” (تث١٦:٢٤)
وايضآ يقول:
” الذي سيجازي كل واحد حسب اعماله” (رو٦:٢)
ثانيآ: الاضطرابات المزاجيه المرضيه:
اما بخصوص القلق المرضى و الخوف الشديد والاكتئاب والامراض النفسية الاخرى التى تصل إلى حد الخلل الكيميائى فى المخ فهذه كلها تعد حالات مرضية وتحتاج الى عناية طبيب متخصص وربما ادويه علاجيه، تماماً مثل اى خلل بدنى يحدث فى أعضاء الجسد الاخرى .
” اعط الطبيب كرامته لاجل فوائده فان الرب خلقه لان الطب ات من عند العلي و قد افرغت عليه جوائز الملوك ،علم الطبيب يعلي راسه فيعجب به عند العظماء ، الرب خلق الادوية من الارض و الرجل الفطن لا يكرهها ” (سيراخ٣٨: ١–٤)
هنا ويأتي سؤالك في محله، فأنت تسأل؛
ما موقف الله من هذه الأمراض وأعراضها ؟ وما هي مسؤوليتنا تجاهها؟
يجب توضيح ان العضو المصاب في هذه الأمراض هو المخ و أعراض هذه الاصابه ليست بأعراض جسديه ولكنها سلوكيه، وكثيرآ ما توحي للمصاب بها والمحيطين به انها مسؤلية الشخص المصاب، في حين ان أعراض اي خلل كيميائي في اي عضو آخر في الجسم لا تنسب مسؤوليته للمصاب بل بالعكس تكون مصدر شفقه عليه وكثيرآ ما ترفع من عليه اللوم بل تؤدي الي التسارع لمساعدته من كل المحيطين به.
من خلال خدمتي في هذا المجال مده طويله، اؤكد لك ان هذا الإحساس الخاطئ لا ينبع الا من عدم فهم عامة الناس لماهية المرض النفسي الناتج عن خلل في وظيفة المخ كعضو جسدي يغذي بكيميائيات تحملها الدوره الدمويه في الانسان.
ولكن
تذكر ان الله الخالق العظيم والكلي الحب و الحنان والمعرفه هو وحده يعرف كل تفاصيل تكويننا ويعرف جيدآ نقائصنا وقصورنا وسوف يضع فى اعتباره كل شيئ عندما يحاكمنا برحمته .
لذلك داود يخاطبه في المزمور فيقول:
“أنتَ عَرَفتَ جُلوسي وقيامي. فهِمتَ فِكري مِنْ بَعيدٍ…لَمْ تختَفِ عنكَ عِظامي حينَما صُنِعتُ في الخَفاءِ، ورُقِمتُ في أعماقِ الأرضِ. رأتْ عَيناكَ أعضائي، وفي سِفرِكَ كُلُّها كُتِبَتْ يومَ تصَوَّرَتْ، إذ لَمْ يَكُنْ واحِدٌ مِنها.”
المَزاميرُ (١٦-١٥،٢:١٣٩)
هنا واضيف نقطه اخري هامه في الاجابه علي سؤالك الا وهي انه باعتبار ان أعراض هذه الأمراض هي أعراض ذهنيه فهي بلا شك تؤثر سلبيآ علي مقدرة الانسان المصاب بها علي القيام بممارساته الروحيه بالمقارنه بعدم الاصابه.
فيؤكد القديس بولس علي أهمية الذهن في العباده فيقول:
“ أُصَلّي بالرّوحِ، وأُصَلّي بالذِّهنِ أيضًا. أُرَتِّلُ بالرّوحِ، وأُرَتِّلُ بالذِّهنِ أيضًا.”
(كورِنثوس الأولَى (١٥:١٤
لذلك أقول لك يا عزيزي ان الله الذي سمح بالمرض ويعرف كيف يؤثر عليك هو ليس بظالم حتي يدينك بسببه.
بل بالعكس تمامآ فقد علمنا السيد المسيح له المجد انه سيضع في الاعتبار متغيرات كل إنسان حين يحاسبه.
فمثلإ يقول:
” و لكن الذي لا يعلم و يفعل ما يستحق ضربات
يضرب قليلا….(لو٤٨:١٢)
ولكن لابد ان أضيف هنا أهمية العمل الروحي في علاج هذه الأمراض النفسيه مع العلاج بالأدوية والعلاج النفسي.
ذلك لانه باعتبار ان كل الأمراض قد دخلت علي الانسان نتيجة الفساد الذي جبله الانسان علي نفسه جيل بعد جيل “اذ أخطأ الجميع”
ونظرآ للتأثير المتبادل بين النفس والروح . فلذلك لابد من العمل الروحي الجاد من خلال التقرب من الأسرار المقدسه للاتحاد بشخص المخلص ربنا يسوع المسيح آدم الثاني للتخلص من هذه الحالات المرضيه وعلاجها.
والعجيب انه في السنوات الاخيرة اكتشف علماء الطب النفسي انه لابد من اضافة العلاج الروجى الي توصيات العلاج النفسي الحديث ليصبح علاجآ رباعيآ مكون من:
١) علاج بيولوچي او كيميائي
٢)علاج نفسي كلامي
٣)علاج اجتماعي
٤)علاج روحي
لذلك اريد ان اؤكد انه كون هذه الأمراض هي أمراض سلوكيه قد تؤثر سلبيآ علي الحياه الروحيه الا ان هذا لايعطى العذر لصاحب المرض لعدم طلب المعونة والسعي وراء العلاج المتخصص والاتحاد بالله الذي اعطانا جسده ودمه، وروحه القدوس ليسكن فينا،
ليساعدنا علي إصلاح ما افسدناه.
«هو أخَذَ أسقامَنا وحَمَلَ أمراضَنا».”
(مَتَّى (١٧:٨)
ونقول في ثيؤوطوكيه يوم الجمعه: “هو أخذ الذي لنا واعطانا الذي له”
ولهذا نشكر الله علي حنانه ومحبته الفائقة اذ يري أمراضنا وأسقامنا فيتحنن ويقترب إلينا فإذاقتربنا اليه يحمل أمراضنا.
“روحُ الإنسانِ تحتَمِلُ مَرَضَهُ، أمّا الرّوحُ المَكسورَةُ فمَنْ يَحمِلُها؟”
(أمثال ٨١:٤١)
لذلك كنيستنا الواعيه بامراض النفس من قديم الزمن تعلمنا ان نصرخ اليه في لحن ابؤورو انتي تي ايريني(ملك السلام) ونقول:
“يشفي أمراض نفوسنا واجسادنا“
كذلك في اوشية المرضي نقول:
“أمراض نفوسنا إشفها والتي لأجسادنا عافها ايها الطبيب الحقيقى الذي لانفسنا و اجسادنا يا مدبر كل ذي جسد تعهدنا بخلاصك”
ولأهلنا المجد الدائم.
آمين.