أنقذتهم لكن نسيوني

ركب عدد كبير من الركاب سفينة، وبعد أن أبحرت بيومين تعرضت لرياح غير معتادة في هذا الوقت. هاجت الأمواج، وظلت تصدم السفينة لمدة طويلة، وفي النهاية كسرت جزء من السفينة، فسقط عدد ليس بقليل من الركاب في البحر.

كان من بين الركاب شاب يجيد السباحة، وكان معروفًا طوال حياته بأنه يحب المسيح ويخدم كل إنسان محتاج. فعندما رأى ما حدث، خلع ثيابه في الحال وقفز في البحر لينقذ الذين سقطوا فيه.

وجد البعض قد تعلق بالسفينة وكادت يداه أن تفلت، فأسرع يحملهم ويُدخِلهم إلى السفينة. ووجد البعض الآخر يحاولون السباحة ولكن عنف الأمواج كان يقلبهم في البحر، ولضعف أجسادهم كادوا يغرقون، فحملهم واحدًا واحدًا وأدخلهم إلى السفينة. ووجد آخرين قد تعلقوا بقطع أخشاب قد انفصلت من السفينة، فحملهم أيضًا وأنقذهم، ثم صعد بصعوبة إلى السفينة لأنه بدأ يشعر أنه يكاد يغرق لأن قواه ضعفت من قسوة الأمواج وكذلك العدد الكبير الذي حمله وأصعده إلى السفينة.

ألقى هذا الشاب الشجاع بنفسه على أرض السفينة وهو في إعياء شديد، وانشغل ركاب السفينة بإسعاف من أنقذهم، أما هو فلم يهتم به أحد، وظل مُلقَى هكذا على الأرض حتى اليوم التالي بلا طعام أو شراب.

استطاع هذا الشاب الشجاع في اليوم التالي أن يتماسك ويقف على قدميه، ويصل إلى بعض الطعام والشراب، ووصل إلى حجرته حيث ألقى بنفسه على سريره.

بعد بضعة أيام تشدد هذا الشاب واستعاد صحته، وعَلِم من زملائه الركاب أنه استطاع أن ينقذ ثلاثة وعشرين شخصًا، وقام ليسأل عنهم ويمر على حجراتهم ويشجعهم، ولم ينزعج لعدم شكر الناس له لكنه على العكس اهتم بالسؤال عنهم.

وصلت السفينة إلى الشاطئ وذهب كل راكب إلى سبيله.

مرَّت السنوات، بل عشرات السنوات، وفي أحد الاجتماعات الروحية، وقف المتكلم ليتحدث عن أهمية الخدمة وكيف أن من يقوم بالخدمة لا ينتظر مقابل ولا حتى كلمة شكر، وقال لقد سمعت قصة غريبة حدثت منذ سنوات طويلة، وحكى قصة السفينة والشاب الشجاع الخدوم. وفي نهاية القصة، رفع أحد الشيوخ الحاضرين يده وقال: “أنا هو هذا الشاب”.

فرح الحاضرون بوجود هذا الرجل العظيم في وسطهم، وهنا وجَّه المتكلم سؤالاً لهذا الشيخ وقال له:

  • “إزاي اتحملت عدم شكر الناس ليك وكمان قمت تسأل على الناس اللي أنقذتهم؟”

فرَدَّ الشيخ قائلاً:

  • “علشان المسيح شكرني، وحسيت إنه معايا وبيشجعني، فبقيت مش محتاج إن حد يشكرني. مازعلتش من حد بل على العكس عذرتهم”.

الله أعطاك قوة وإمكانيات ليس لتستغلها لمصلحتك فقط، بل أيضًا لتخدم بها غيرك. فكن أمينًا واعمل واجبك نحو من حولك، واخدم قدر ما تستطيع، فيباركك الله.

عندما تخدم الآخرين، فأنت تقدم خدمة للمسيح شخصيًا، فالمسيح هو كل محتاج بأي نوع تجده في طريقك، فهو شرف عظيم وبركة لا يُعَبَّر عنها أن تخدم المسيح في شكل المحتاجين، فابحث عن الخدمة وقدمها بكل ما تستطيع لكل إنسان.

تدبيرك فاق العقول: الجزء الثامن.

شهوة الاستشهاد

سورس وانطوكيون ومشهوري الشهداء كانوا فلاحين من إسنا.

إلتقى بهم أريانوس الوالي في زيارته الرابعة للمدينة. بعد المذبحة التي أجراها في إسنا، والتي استشهد فيها كل المدينة. كانوا يسيرون على جسر المدينة ويحملون فؤوسهم، فصاحوا بصوت عظيم: “نحن مسيحيون مؤمنون بالسيد المسيح”.

قال الجند للوالي: “أما تسمع هؤلاء الرجال الفلاحين الذين يصيحون؟ ” فقال الوالي: “قد أرجعنا سيوفنا إلى أغمادها إذ تلمت من كثرة القتل. وإذ عرف الفلاحون المؤمنون بذلك وكانوا يحملون فؤوسهم على أعناقهم، قالوا للوالي: “اقتلنا بفؤوسنا!” فأمر الوالي جنده أن يقتلوهم بفؤوسهم، فمدوا أعناقهم على حجر كبير كان في ذلك الموضع، وقطع الجند رؤوسهم بالفؤوس. وكان ذلك في الحادي عشر من شهر توت.

بنيت لهم مقبرة بعد انتهاء الاضطهادات. ومع مرور القرون زالت آثار المقبرة، إلى أن رأى أحد سكان إسنا في أواخر القرن التاسع عشر، وهو المرحوم ميخائيل الرشيدي، رؤيا في إحدى الليالي تطلب إليه أن يذهب إلى بحري البلد ويحفر في مكان معين محدد بالجير فسيجد رفات هؤلاء القديسين الثلاثة، وأن يقوم ببناء مقبرة لهم.

ذهب ميخائيل إلى الحاكم يستأذنه في بناء المقبرة فرفض في بداية الأمر لكنه عاد فصرح له بذلك بعد أن شاهد رؤيا تطلب إليه أن يأمر بالتصريح بالبناء.

وبالفعل بُنيت المقبرة وبجوارها حقل من النخيل، وإن كانت المباني في السنوات الأخيرة قد زحفت على حقل النخيل ولم يبقَ سوى قلة من النخيل.

ولا تزال هذه المقبرة قائمة تهتم بها عائلة “الرشايدة” بإسنا. كثيرًا ما تخرج منها رائحة بخور عطرة، خاصة في عشية الأحد.

قاموس آباء الكنيسة وقديسيها.

اية للحفظ

“من أراد أن يصير فيكم عظيمًا يكون لكم خادمًا” (مر10: 43)