ولد القديس بوليكاربوس حوالي سنة 70م، وسامه القديس يوحنا الحبيب أسقفًا على سميرنا (رؤ2: 8-10). وقد شهد القديس إيرينيئوس أسقف ليون عن قداسة سيرته، وإنه تعلم على أيدي الرسل.
إذ شرع الإمبراطور مرقس أوريليوس في اضطهاد المسيحيين ألحّ المؤمنون على القديس بوليكربوس أن يهرب من وجه الوالي، فاختفى عدة أيام في منزل خارج المدينة، وكان دائم الصلاة من أجل رعية المسيح. قبل القبض عليه أنبأه الرب برؤيا في حلم، إذ شاهد الوسادة التي كان راقدًا عليها تلتهب نارًا، فقام من النوم وجمع أصدقاءه وأخبرهم إنه سيحترق حيًا من أجل المسيح، وإنه سينعم بعطية الشهادة.
بعد ثلاثة أيام من الرؤيا عرف الجند مكانه واقتحموا المنزل، وكان يمكنه أن يهرب لكنه رفع عينيه إلى السماء قائلاً: “لتكن مشيئتك تمامًا في كل شئ”، وسلَّم نفسه في أيديهم، ثم قدم لهم طعامًا، وسألهم أن يمهلوه ساعة واحدة يصلى فيها. تعجب الجند من مهابته ووداعته وبشاشته وعذوبة حديثه، حتى قال أحدهم: “لماذا هذا الاجتهاد الشديد في طلب موت هذا الشيخ الوقور؟”
إنطلق مع الجند الذين أركبوه جحشًا، وفي الطريق وجدهم هيرودس أحد أكابر الدولة ومعه أبوه نيكيتاش، فأركبه مركبته، وإذ طلبا منه جحد المسيح ورفض أهاناه وطرحاه من المركبة بعنف فسقط على الأرض وأصيبت ساقه بجرحٍ خطير. عندئذ ركب الجحش وسط آلام ساقه وهو متهلل حتى بلغ إلى الساحة حيث كان الوالي وجمهور كبير في انتظاره.
إذ نظره الوالي وقد انحنى من الشيخوخة وابيضت لحيته سأله، قائلاً: “هل أنت بوليكاربوس الأسقف؟” أجابه بالإيجاب. ثم طلب منه الوالي أن يرثى لشيخوخته وإلا سامه العذاب الذي لا يحتمله شاب، ثم أمره أن ينادي بهلاك المنافقين وأن يحلف بحياة قيصر. فتنهد القديس، قائلاً: “نعم ليهلك المنافقون”. فذُهل الوالي وقال: “إذن إحلف بحياة قيصر والعن المسيح وأنا أطلقك.”
-
“لقد مضى ستة وثمانون عامًا أخدم فيها المسيح، وشرًا لم يفعل معي قط، بل أقتبل منه كل يوم نعمًا جديدة، فكيف أهين حافظي والمحسن إليَّ؟ وكيف أغيظ مخلصي وإلهي والديان العظيم العتيد أن يكافئ الأخيار وينتقم من الأشرار المنافقين؟”
-
“إعلم انك إن لم تطع أمري فستُحرق حيًا، وتُطرح فريسة للوحوش”.
-
“إني لا أخاف النار التي تحرق الجسد، بل تلك النار الدائمة التي تحرق النفس، وأما ما توعدتني به أنك تطرحني للوحوش المفترسة فهذا أيضًا لا أبالي به. احضر الوحوش، وأضرم النار، فها أنا مستعد للافتراس والحرق”.
-
“ينبغي أن ترضي الشعب”.
-
“ينبغي أن يطاع الله أكثر من الناس، لماذا تنتظرون؟ أسرعوا بإنجاز ما تريدون”. (قال هذا بشجاعة ووجهه يشع نورًا حتى انذهل الوالي عندما تفرس فيه).
أُعد أتون النار، وأرادوا تسميره على خشبة حتى لا يتحرك من شدة العذاب، أما هو فقال لهم:
-
“أتركوني هكذا، فإن الذي وهبني قوة لكي أحتمل شدة حريق النار سيجعلني ألبث فيها بهدوء دون حاجة إلى مساميركم”.
عندئذ أوثقوا يديه وراء ظهره وحملوه ووضعوه على الحطب كما لو كان ذبيحة تُقدم على المذبح. وكان يصلي شاكرًا الله الذي سمح له أن يموت شهيدًا. وإذ انتهى من صلاته أوقد الجند النيران من كل جانب ففاحت منه رائحة طيب ذكية، وإذا بأحد الوثنيين طعنه بآلة حادة فتدفق دمه وأطفأ النيران، وقد انتقلت نفسه متهللة إلى الفردوس، عام 166م.
يعيد له اليونان في 25 من شهر ابريل، والأقباط في 29 أمشير.
قاموس آباء الكنيسة وقديسيها.
ما عنديش أولاد
أثناء الحرب الأهلية في روسيا عام 1919، هربت هي وطفلاها واختبأت في كوخ خارج المدينة وظلت تصلي أن يحميها الله ويخفيها عن عيون الأعداء.
وفي مساء اليوم التالي سمعت السيدة طرقًا على باب الكوخ ففتحت لتجد إحدى جاراتها وهي شابة عمرها حوالي خمسة وعشرين عامًا إسمها ناتالي تخبرها أنه يلزم أن تهرب فورًا هي وطفلاها لأن مكانها قد عُرِف وسيصلون إليه خلال ساعات قليلة ويطلقون الرصاص عليها هي وطفلاها.
خافت السيدة وقالت للشابة: “ولكنهم عندما لا يجدونني سيتعقبونني ولا أستطيع الهرب بعيدًا”.
فردَّت الشابة وقالت لها: “أنا سأجلس في الكوخ بدلاً منكِ لأن ليس عندي أطفال أخاف عليهم، وسيقبضون عليَّ ويرمونني بالرصاص بدلاً منكِ”.
v أغلى شئ عند الإنسان هو حياته، فهو مستعد أن يتنازل عن أي شئ إلا أن يموت.
ولكن في حالة واحدة يستطيع أن يضحي بحياته لو كان يؤمن أن له حياة أفضل في السماء، وإن أحب الله يمكنه أن يحب الآخرين ويضحي لأجلهم حتى بحياته … هذا هو كمال الحب.
إن لم تستطع أن تضحي بكل حياتك فعلى الأقل كن مستعدًا للتنازل عن بعض راحتك أو حاجاتك المادية من أجل راحة الآخرين أو احتمال بعض الإهانات والتضحية بكرامتك لتخلِّص غيرك من متاعب كبيرة.
إن كان الحب هو أعظم شئ في الوجود، فأقوى صورة له هي التضحية، وأغلى تضحية عندما تبذل ما تحبه ويتعلق به قلبك وليس ما هو زائد عنك.
وتتعاظم تضحيتك عندما تقدمها ليس فقط للمكروبين والأحباء بل للمحتاجين وللبعيدين عنك ثم تصل إلى قمة البذل عندما تقدم محبتك لمن يسيئون إليك.
قصة واقعية من كتاب: “معًا كل يوم”: الجزء الأول.
اية للحفظ
✝ ” لَيْسَ لأَحَدٍ حُبٌّ أَعْظَمُ مِنْ هذَا: أَنْ يَضَعَ أَحَدٌ نَفْسَهُ لأَجْلِ أَحِبَّائِهِ ” (يو15: 13)