العطية غير المقبولة
عاشت هذه العجوز في حياة عميقة مع الله، أحبته من كل قلبها، وارتبطت بالكنيسة. وكانت متأثرة دائمًا بحب الله الباذل على الصليب، مما جعلها لا تنزعج مما تعاني منه، فقد فقدت قدرتها على السمع، بالإضافة إلى أنها كانت تعاني من ضعف في نظرها إذ أصيبت بعمى الألوان.
علِمَت هذه العجوز بالكرازة في أفريقيا وأن كثيرين يذهبون إلى هناك، ليُعَلِّموا ويُبَشِروا هذه القبائل البعيدة عن الله حتى يؤمنوا به، وإنهم محتاجون إلى المساعدات المالية لتكاليف الكرازة ومساعدة الفقراء هناك، ولكنها هي نفسها فقيرة وليس لها قدرة أن تساعدهم بالمال.
فكَّرت هذه المرأة العجوز أن تعمل عملاً يدويًا، فتقدم مجهودها كعطية لله، فاهتمت بعمل لحاف وتطريزه، ولكن لأنها تعاني من عمى الألوان، فبعد تطريزه كانت ألوانه غير متناسقة على الإطلاق.
عرضت هذه العجوز هذا اللحاف ليُباع وتعطي ثمنه لخدمة الكرازة في أفريقيا، ولكن لم يرضَ أحد أن يشتريه لأن منظره ليس جميلاً. ولكن العجوز لم تيأس، وقالت للخدام الذين يسافرون للكرازة:
- “خدوا معاكم اللحاف … وادوه لأي حد فقير يتغطى بيه”.
شكرها الخدام، وصَلَّت العجوز لله ليقبل عطيتها لأن الناس يرفضون اللحاف الذي تعبت فيه.
سافر الخدام ومعهم هذا اللحاف، وفي نيتهم تقديمه لأحد الفقراء. وفيما كانوا يمرون بين القبائل، مرّوا بقبيلة كان رئيسها يرفض دخول أي مبشر ليبشر داخل قبيلته، وكان ذلك لمدة ثلاث سنوات، حتى أن الخدام اضطروا إلى ترك هذه القبيلة وعدم الدخول إليها، والاكتفاء بالصلاة لأجلها حتى يرتب الله الوقت المناسب للخدمة بها.
بترتيب الله كان رئيس هذه القبيلة واقفًا، والخدام يمرون أمامه بهذا اللحاف وهو واقف من بعيد، فطلب منهم أن يقتربوا إليه ليرى هذا اللحاف عن قرب، وعندما فحصه أُعجِب به حتى أنه قال لهم:
- “لو أعطيتموني هذا اللحاف سأسمح لكم بالتبشير في قبيلتي”.
فرحبوا جدًا وأعطوه هذا اللحاف هدية.
بدأوا الخدمة والتبشير باهتمام شديد، ورئيس القبيلة يشجعهم، وآمن الكثيرون حتى أنهم – بموافقة رئيس القبيلة – بنوا كنيسة لأول مرة في هذه القبيلة ليُصَلي فيها المؤمنون. وشكروا الله جدًا إذ استخدم العطية الغير المقبولة ليفتح الأبواب المغلقة، وتبدأ الخدمة في هذا المكان ويتمتع الكثيرون بالإيمان بالله.
قدِّم ما تستطيع أن تقدمه لله مهما كان صغيرًا، وثق أن الله يفرح بعطيتك كما فرح بفلسي الأرملة، بل ومدح عطيتها أكثر من كل من أعطوا.
إن رفضك الناس فاعلم أن الله يحبك، وغير المقبول من الناس قد يكون غاليًا جدًا عند الله، واقترب من الله وقدم محبتك له، فهو يفرح بك وبكل عطاياك.
تدبيرك فاق العقول: الجزء الثامن.
أنا السبب
دخل الكاهن ليزور أحد أديرة الراهبات فوجد عددًا من الجنود والضباط يقفون عند مدخل الدير، ولما دخل علم أن الدير يود استكمال بعض الأبنية به ولكن السلطات منعته من ذلك.
طلبت إحدى الراهبات من أبونا أن يكلم الضابط، وحاول الكاهن ولكن الضابط رفض بشدة، فغطى الحزن وجوه كل الراهبات.
دخل الكاهن الكنيسة ليصلي فوجد راهبة كبيرة في السن تقف أمام أيقونة الشهيد مارجرجس، وكانت تصلي بصوت مسموع وتقول له: “أنا عارفة أنني أنا السبب لأني ماعملتش الأرز بلبن. سامحني وخليهم يسمحوا لنا بالشغل وأنا ها أعمل الأرز بلبن على طول”.
تعجب الكاهن وبعد أن أنهى صلاته خرج من الكنيسة.
لم تمضِ إلا دقائق حتى وصل مندوب من المحافظ يعتذر عما حدث ويسمح لهم ببناء ما يريدون.
وأسرعت الراهبـة تشجع مـن حولهـا لعمـل الأرز بلبـن، إذ كانت قد وعدت مارجرجس أن تعمل على إسمه أرز بلبن للعمال العاملين في البناء، ولكنها تعبت في ليلة أمس فنامت ولم تعمله.
v الله يفرح بوعودك لأنها تعبر عن محبتك له فقدمها له في كل مناسبة، لأنها تعلن نية قلبك واهتمامك أن ترضي الله بعبادة مقدسة أو عطاء محبة أو خدمة للآخرين.
والوعد غير النذر، فالنذر مرتبط بتحقيق طلب محدد من الله ولابد أن تلتزم بإيفائه فلا تتسرع فيه، أما الوعد فغير مرتبط بطلب.
حاول أن تتمم وعودك بكل طاقتك مهما عانيت من تعب، فهذا غالٍ جدًا في نظر الله، وإن لم تستطع أو توانيت فحاول مرات أخرى، وإن كنت معرضًا للنسيان فاكتبها لترجع إليها.
إستغل كل مناسبة لتضع عهودًا جديدة لتنشيط حياتك الروحية، ولكن لتكن وعودك في حدود طاقتك حتى يمكنك الإلتزام بها.
قصة واقعية من كتاب: “معًا كل يوم”: الجزء الأول.
اية للحفظ
✝ “هكذا أقول لكم يكون فرح قدام ملائكة الله بخاطئ واحد يتوب” (لو15: 10)