المرض شفاني 

كان هذا الخادم في مدارس الأحد يهتم بافتقاد أولاده الذين هم في السنة الأولى الثانوية. ومن بين أولاده لاحظ أن أحدهم مواظب على حضور الفصل، ولكنه لا يفتح قلبه نهائيًا للخادم، رغم اهتمام الخادم بزيارته في بيته، والترحيب به، والجلوس معه في الكنيسة.

ارتفعت صلوات هذا الخادم لأجل إبنه، وفي أحد الأيام جلس مع ابنه هذا وقدم له ساندويتش، وفيما هما يأكلان أظهر الخادم محبته لإبنه، فتأثر الشاب وسالت بعض الدموع من عينيه، فاعتذر له الخادم عن أية كلمة تكون قد ضايقته، فنفى الإبن هذا بل وقال له: “أنا عارف أنك تحبني، ولكن أنا عندي مشكلة ولا أستطيع أن أقولها لك”.

فقال له الخادم: “قد أستطيع أن أساعدك لو أشركتني في التفكير معك”.

قال الإبن: “المشكلة لا تخصني أنا، بل هي مشكلة في بيتي”، ثم أضاف وقال: “أنا أعيش مع أختي التي هي أصغر مني بسنتين ومع والدي. وأمي مرتبطة بالكنيسة والخدمة، وتهتم بنا جدًا وخاصة بحياتنا الروحية، وأبي مشغول ويتعب لأجلنا كثيرًا، ولكن ارتباطه بالكنيسة قليل.

“كنا نذهب إلى الكنيسة أنا وأختي وأمي كل أسبوع، وكانت العلاقة بين والديَّ طيبة، ولكني كنت ألاحظ خروجهما معًا في بعض الليالي ورجوعهما في وقت متأخر. وفي مرات قليلة كنت أستيقظ، وألاحظ أن والديَّ يترنحان، وعندما سألت والدتي عن عدم اتزانها لأطمئن على صحتها كانت تطمئنني وتقول: أنا وبابا كويسين، بس إحنا شربنا خمرة علشان كدة إحنا دايخين شوية.

“فحزنت وحاولت في اليوم التالي التكلم مع والدتي حتى لا تشرب خمرًا، فقالت لي: أنا مش باحب أشرب، ولكن مش عايزة أسيب بابا يروح يسهر لوحده مع أصحابه، فمضطرة أشرب معاهم.

“فصَمَتُّ ولكني كنت متضايقًا.

“وفي أحد الأيام ونحن كلنا في البيت أقبل والدي على والدتي وقال لها أمامنا: إنتي ليه بتتكلمي مع واحد من ورايا وعمَّاله تحبي فيه؟

“أجابت الأم وقالت: أنا أسفة، ده واحد من الشلة اللي بتسهر معانا.

“فقال والدي: أنا عارف، واسمه فلان الفلاني. أنا جالي تليفون وعارف كل حاجة. إنتي شريرة وزانية.

“فأجابت أمي وقالت: لا … ده مجرد كلام … أنا مش عايزه منه حاجة.

“ولكن أبي صرخ بغضب وطردها من البيت. ونحن نعيش الآن بمفردنا مع أبي”.

حاول الخادم مساندة إبنه بكلمات طيبة، وشجَّعه على الصلاة ليتدخل الله ويحل المشكلة، وقال له سأصلي معك. ودعاه أن يذهب لأب اعترافه ليحكي له المشكلة ويصلي معهما، ويثق أن الله سيتدخل.

إهتم الخادم بابنه، وكان يصلي معه كل يوم في ساعة محددة، كل واحد منهما في منزله، وكان يطمئن عليه يوميًا.

أرسلت الزوجة أحباء كثيرين لزوجها ليسامحها ويسمح لها بالرجوع للبيت، ولكنه رفض بشدة. واستمرت صلوات الإبن والإبنة في دموع أمام الله.

وبعد فترة ليست بقصيرة سمح الأب لزوجته بالحضور مرة كل أسبوع لرؤية الأبناء، وكان يترك البيت في هذا الوقت.

في أحد الأيام لاحظ الإبن أن أبيه يصرخ، فأسرع إليه، فسمعه يقول: “أنا تعبان … هاتلي دكتور بسرعة”.

فاتصل الإبن بعمه الطبيب الذي حضر ونقل أبيه للمستشفى. واكتشف الأطباء إصابته بجلطة في المخ وشلل نصفي. وبعد علاجه لمدة أيام عاد لبيته، وصار طريح الفراش.

حاول العم إقناع الأب بالسماح لزوجته أن تحضر وتخدمه، ولكنه رفض بشدة، وطلب منه إحضار أي إنسان ليساعده. وحاول العم تلبية رغبته، وأحضر له الكثيرين ممن يقومون بخدمته، ولكنه كان يغضب عليهم ويصرفهم. وأخيرًا استطاع العم إقناع الأب برجوع الزوجة لتخدمه فقط، فوافق مضطرًا.

عادت الزوجة، وبمحبة باذلة اهتمت بزوجها، الذي كان يغضب عليها كثيرًا، أما أبناؤها ففرحوا جدًا برجوع والدتهم، وعادوا للصلاة معها كل يوم، ليحفظ الله بيتهم ويشفي والدهم.

بعد مرور عدة شهور استطاع الأب أن يقوم ويمشي ببطء، ولكن يده كانت مازالت عاجزة. وتحسنت معاملته كثيرًا مع زوجته التي كانت تتفانى في خدمته وتسهر إلى جواره وتسرع إلى تلبية طلباته مهما كانت كثيرة أو يطلبها بغضب.

في أحد الأيام كان الأب جالسًـا وبجواره زوجتـه، فنادى على إبنـه وابنته وقال لهمـا:

“أنا غلطت كتير في حق مامتكم. أمكم أحسن مني وربنا عاقبني بالمرض علشان قسوة قلبي … مامتكم مافيش ست زيها … دي ملاك مش إنسان”.

ثم مدَّ الأب يده السليمة ليمسك بيد زوجته ليقبلها، فسالت دموع الكل، وشعر الإبن والإبنة بفرح عظيم وقاما ليقبِّلا والديهما ويحتضنوهما.

بدأت الأسرة تصلي يوميًا وتشكر الله، وبدأ ارتباط الوالد بالكنيسة، فكان يطلب التناول من الأسرار المقدسة، ويعترف على يد الكاهن. وتحسنت حالته الصحية تدريجيًا واستطاع الخروج من منزله والذهاب لعمله وللكنيسة، وواظب على أسرار الكنيسة والاجتماعات الروحية. ثم أنعم الله عليه بالاشتراك في الخدمة، فكان يخدم مع زوجته، وساد السلام والفرح على قلوب كل من في البيت.

كان الإبن يذهب على الدوام إلى خادمه، ويحكي له بالتفصيل أعمال الله مع أسرته، وكان يشكره جدًا لأن الفضل الأول يرجع إلى محبته ومساعدته له وصلواته الكثيرة.

من كتاب: الاعتراف يشفيني فلماذا أرفض الدواء؟

اية للحفظ

“فَانْظُرُوا كَيْفَ تَسْلُكُونَ بِالتَّدْقِيقِ، لاَ كَجُهَلاَءَ بَلْ كَحُكَمَاءَ، مُفْتَدِينَ الْوَقْتَ لأَنَّ الأَيَّامَ شِرِّيرَةٌ” (أف5: 15-16)