جرس الموت

حدثت قصتنا هذه في القرن السابع عشر، وبالتحديد في الجيش الإنجليزي.

كان هناك قائدًا معروفًا هو أوليفر كرومويل، وكان يتصف بالقوة والشجاعة، وفي نفس الوقت بالعدل والحزم، فكان يقود الجيش بقوة وصرامة، وحقق نجاحات كثيرة.

وصلت إلى القائد أوليفر أخبار بمؤامرة يحاول مرتكبها أن يؤذي بريطانيا العظمى، وظل أوليفر يبحث ويحقق في الأمر حتى تأكد من تورط أحد ضباطه، فوُجِّهَت إليه تهمة الخيانة العظمى، وبعدما ثبتت عليه التهمة لم يكن عقابه إلا الإعدام رميًا بالرصاص.

عندما علم الضابط بنهايته الصعبة تأثر جدًا وأعلَم زوجته وأهله بما حُكِم عليه، فكان تأثر زوجته أضعاف تأثره لأنها شعرت أنها ستفقد رجلها وسندها في الحياة وحبيبها الذي أحبته سنوات كثيرة.

لم تستطع زوجة الضابط أن تحتمل قرار إعدامه، فصلَّت كثيرًا بانسحاق طول الليل، وقررت أن تقابل في الصباح القائد الأعلى أوليفر معتمدة على الله ليسهل لها مقابلته.

عندما وقفت الزوجة أمام قائد الجيش توسلت إليه أن يسامح زوجها، وبَكَت أمامه بل وسجدت بتذلل عند قدميه ليسامح زوجها، ولكن كانت إجابة أوليفر في غاية الصرامة إذ قال لها:

  • “أنتِ لا تعرفين خطورة ما فعله زوجِك، فلقد خان بريطانيا العظمى، وليس أمامه إلا وأن يقابل مصيره وهو الإعدام، وسيتم هذا في الصباح الباكر عندما يدق جرس الكنيسة المجاورة في السادسة من الصباح”.

انصرفت الزوجة ودموعها على خديها وهي في حيرة ماذا تفعل، وأخذت تصلي طوال النهار في بيتها، فخطرت على بالها فكرة خطيرة، لكنها قبلتها بسرعة وقررت أن تنفذها.

في الخامسة من صباح اليوم التالي، أسرعت الزوجة إلى الكنيسة وصعدت إلى أعلى المنارة، ووقفت بجوار جرس الكنيسة الكبير تنتظر خادم الكنيسة العجوز الذي سيمسك بحبل الجرس ويجذبه إلى أسفل مرات كثيرة ليتحرك لسان الجرس ويدق على جانبيّ الجرس فيُحدِث صوته القوي المعروف.

اقتربت الساعة من السادسة صباحًا، فرأت زوجة الضابط الخادم العجوز الذي كان أعمى وأصم، فأسرعت لتمسك بيديها لسان الجرس، وبدأ الخادم يجذب الحبل، وتحرك اللسان يمينًا ويسارًا لا ليدق دقاته المعتادة على جانبيّ الجرس، بل ليضرب ذراعيّ هذه المسكينة فيقطع لحمها ويسيل دمائها. واستمر الخادم يضرب الجرس، وهو يظن أنه يعلن صوته المعروف، مع أنه لم يُحدِث أي صوت لأنه كان يمزق يديّ هذه المسكينة التي لم ترفع صوتها بالصراخ أو البكاء حتى لا يشعر بها أحد.

لم يضرب جرس الكنيسة، وبالتالي لم يعدموا زوجها، ونزلت هذه الزوجة الضحية التي احتملت هذه الآلام العنيفة، وذهبت لتقابل القائد العظيم أوليفر الذي كان منتظرًا جرس الكنيسة لينفذ إعدام زوجها.

عندما دخلت إليه بيديها الممزقتين والتي تسيل منها الدماء، ذُهِل الرجل. ولكن قالت له الزوجة:

  • “لم يضرب جرس الكنيسة إلا في يديَّ هاتين الممزقتين، فهل يمكن أن تسامح زوجي من أجل هاتين اليدين؟”

تعجب جدًا أمام هذه الحب العظيم في البذل، ولم يستطِع إلا أن يأمر بالعفو عن زوجها من أجل هذا الحب الذي لم يره من قبل.

إنك يا أخي تخون الله مرات كثيرة بخطاياك المتكررة، والله يسامحك من أجل الدم المسفوك على الصليب، دم المسيح الفادي الذي لم يفعل خطية، ولكنه مات لأجلك لتحيا بفدائه حياة جديدة نقية. فهل تشعر بهذا الحب وتشكره كل يوم؟

هل أنت مستعد يا أخي أن تحتمل من حولك في أخطائهم وتسامحهم لأجل المسيح الذي يسامحك؟ إنه مستعد أن يسامحك عن كل خطية إن كان قلبك رحيمًا على إخوتك البشر المحيطين بك.

تدبيرك فاق العقول: الجزء الثامن.

قرار بالقتل

خرج الملك العربي “نعمان بن المتن” في رحلة صيد، ولكنه انفرد عن جماعته أثناء متابعة الصيد وضلَّ الطريق وأشرف على الموت.

حلَّ الليل وإذ به يكتشف ضوءًا صغيرًا من بعيد، فأسرع إليه ليجد خيمة أعرابي مسيحي، فأكرمه وذبح له الشاة الوحيدة عنده.

بعد ذلك أعلمه الملك بحقيقة شخصيته، ودعاه لزيارته ليكرمه، وكان هذا اليوم هو يوم نعيم الملك الذي يتفاءل به في كل سنة.

مـرَّت سنـوات وفَكَّــر الأعرابـي فـي زيـارة المـلك، وعندمـا اقتـرب مـن مدينتـه فوجـئ بالجنود يقبضون عليه ويقتادونه إلى الملك، إذ كان هذا اليوم هو يوم بؤس الملك الذي يتشاءم فيه، وقد أقسم بقتل أول من يأتي إليه حتى لو كان ابنه “قابوس”.

حزن الملك عندما رآه ولكن كان لابد من قتله. فاستأذن الأعرابي من الملك أن يعطيه مهلة سنة حتى يودع أقاربه وأحباءه. وضمنه شخص يدعى “قراد”.

وبعد عام بالتحديد قبل أن يقتلوا “قراد” ضامنه وصل العربي، فتعجب الملك من عدم هروبه وسأله السبب فقال له: “إن ديني يمنعني من هذا”. ولما سأله عن دينه قال: المسيحية، فاستفهم الملك عن مبادئها وبدأ الأعرابي يشرح له حتى آمن الملك.

+++

إن كان العالم قد سقط في أنانية وشهوات كثيرة ولكن مسيحيتك تعلمك الحب والعطاء للكل. وإن كان كثيرون حولك يستعملون طرقًا ملتوية لتحقيق أغراضهم، فلا تتشكك في وصايا المسيح وكن أمينا في كل كلامك وتصرفاتك حتى لو كنت وحدك الذي تسلك بأمانه. وثق أن المسيح يهتم بكل ما تعمله ويجازيك علانية في السماء أمام كل البشر.

كن صادقًا في كلامك حتى لو خسرت الكثير، فأنت تربح المسيح نفسه. أوفِ وعودك حتى مع غير الأمناء والمستغلين، والتزم بمسئولياتك في البيت والعمل وفي كل مكان، واعلم أن من يقاومونك الآن يعرفون داخل قلوبهم أنك رجل الله ويتأثرون بكلامك وأعمالك، وقد يتغيرون ويعودون إلى الله ولو بعد حين بسبب أمانتك.

معًا كل يوم الجزء الأول.

اية للحفظ

  • “وأُحصِي مع أثمة وهو حمل خطية كثيرين وشفع في المذنبين”  (أش53: 12)