إنجذب الشاب باخوميوس بالحب إلى الإيمان المسيحي، فمارس الحب، وأنشأ أكثر من عشرة أديرة، ضمت الآلاف من الرهبان، قانونهم حياة الشركة أو الحب الأخوي العملي، يشتركون معًا في طعامهم اليومي وصلواتهم. واختار البعض حياة الوحدة، فكانوا يقطنون في قلايات أو مغاير خارج الأديرة، قانونـهم الحب الإلهي مع الصلاة الدائمة بروح الحب نحو كل العالم.
جاء بعض المتوحدين لزيارة الأب باخوميوس، وبعد حديث روحي طويل عبر تلميذه تادرس بهم فسأله الأب أن يعد المائدة للمتوحدين.
إذ تأخر تادرس طلب القديس باخوميوس من راهبٍ آخر أن يعد المائدة للمتوحدين الضيوف، وتأخر هذا الراهب أيضًا، فطلب من راهبٍ ثالث. وإذ تأخر قام بإعداد المائدة بنفسه حتى ينصرف المتوحدون.
دهش القديس باخوميوس لِما حدث، فقد عرف في تلميذه تادرس الطاعة الكاملة مع النشاط وروح الخدمة. التقى القديس باخوميوس بتلميذه، وبروح الحب عاتبه قائلاً له: “لو أن أباك حسب الجسد طلب أمرًا أما كنت تنفذه؟!” تسللت الدموع من عينيّ تادرس المحب لمعلمه جدًا، قائلاً: “لا يا أبي… هل تأخرت عنك في الطاعة لك؟!”
+ لقد سألتك أن تعد المائدة للمتوحدين فتركتني ولم تعد.
+ إني سمعتك تقول: “اتركنا قليلاً لأننا نتحدث في أمور خاصة”.
دُهش القديس باخوميوس للإجابة، فسأل الراهبين اللذين طلب منهما إعداد المائدة، فأجابا بنفس الكلمات.
دق القديس باخوميوس جرس الدير، واجتمع الرهبان، وكانوا يبلغون حوالي 1500 راهبًا، فروى لهم ما حدث، كما أخبرهم أنه رأى شبحًا كان يقف بنافذة القاعة. أدرك أنه الشيطان الذي يغّير حتى كلماتنا لكي يفقد الاخوة ثقتهم في بعضهم البعض وحبهم الأخوي.
بروح الحب لا تصدق أيها العزيز حتى أذنيك، فقد تسمع ما لم ينطق به أخوك أو تفهم ما لا يقصده!
+ هب لي يا رب روح الحب الأخوي.
فيتسع قلبي لكل أحد،
ولا أصدق حتى حواسي إن أغلقت القلب!
لأرى الكل فيك، فأفرح بهم وأحبك فيهم!
قصة واقعية من كتاب: “قصص قصيرة للفتيان”.
قطعة من الخبز
إلتهب قلب أحد الشبان باللَّه، فكان يُكرس وقتًا طويلاً للعبادة، كما كان يبذل الكثير من أجل خدمة الآخرين واهتمامه بخلاصهم. كان محبًا للنسك، فكان يكتفي بأكلة واحدة في اليوم. لم يكن يشعر بالجوع، ولم يشته طعامًا ما، بل كان كل فكره منشغلاً بالمجد المُعد له في السماء.
صار يتردد على أحد أديرة القديس باخوميوس بصعيد مصر، وكان يتعجب كيف يلتزم الرهبان أن يأكلوا معًا مرتين كل يوم، ففي رأيه أن أكلة واحدة تكفي الإنسان لكي يعيش ويُمارس نشاطه.
إلتحق بالدير والتزم أن يأكل مع الرهبان مرتين كل يوم. والعجيب أنه بعد فترة وجد نفسه يشعر بجوعٍ شديدٍ جدًا، حتى اضطر أن يأخذ قطعة خبز خفية أثناء طعامه. وكان متى ذهب إلى قلايته لا يحتمل الجوع، فيأكل قطعة الخبز. لكنه ما أن ينتهي من أكل الخبز حتى يجد دموعه تتسلل من عينيه، فكان يصرخ في أعماق قلبه، قائلاً:
+ “إلهي، كيف تحولت حياتي إلى الشر؟! كنت في العالم اكتفي بأكلة واحدة في اليوم، والآن في الدير لا أشبع حتى بأكلتين يوميًا!! كيف أسرق الخبز؟! كيف أخفي ما أنا فيه؟! إني انحدر من خطية إلى خطية! من ينقذني من هذا الانحدار سواك يا مخلصي؟ أتعهد أمامك أنني لن أسرق الخبز، حتى وإن مُت جوعًا”.
في اليوم التالي ذهب الراهب الشاب إلى صالة الطعام وسط الأعداد الضخمة من الرهبان، ووضع في قلبه أنه لن يأخذ شيئًا من الخبز خفية مهما شعر من جوع. لكنه بعد أن أكل لم يحتمل الجوع، فأخذ للمرة الثانية الخبز… وتكرر الأمر يومًا فيومًا، وظن أنه لا يوجد حلّ لهذه المشكلة.
إلتقـى الراهب بأب اعترافه، وفي خجل شديد اعترف بكل ما فعله، وكيف كان يخجل من أن يعترف بهذا الأمر. كان يعترف بنفسٍ مُرّة للغاية. أما أب اعترافه فبابتسامة رقيقة ملأت نفس الراهب بالرجاء، قال للراهب:
+ “لقد عرف عدو الخير كيف يدخل إليك، فقد أسقطك في خطية تبدو تافهة، وإذ كنت تخجل أن تعترف بها لم تكن قادرًا على الخلاص منها. الآن وقد قدمت توبة أمام اللَّه غافر الخطية، وفضحت نفسك في حضرة أب اعترافك، إنهدم سلطان هذه الخطية. إنها لا تسود عليك. إلهك يهبك روح النصرة والغلبة، فهو يعمل في النفس الصريحة التي لا تخفي شيئًا!”
خرج الراهب من حضرة أب اعترافه يُسبّح اللَّه واهب النصرة لأولاده المخلصين المملوئين صراحة.
جاء موعد الطعام ولم يشعر بالجوع بل عادت حالته إلى ما كان عليه قبل رهبنته. كان يأكل القليل بشكر مع تهليل قلب، وكفَّ عما كان يفعله. عاد إليه سلام اللَّه الفائق!
+ هب لي كإبن اللَّه أن أكون صريحًا. أعترف لك بخطيتي،
وأثق في غنى حبك ورحمتك يا غافر الخطايا!
+ هب لي أن اعترف أيضًا لك في حضرة أب اعترافي!
لأخجل الآن من تفاهات تصرفاتي، فلا أنفضح في يوم الرب العظيم!
لأفضح نفسي فتستر عليَّ بنعمتك!
قصة واقعة من كتاب: “قصص قصيرة للفتيان”
اية للحفظ
✝ ” تَوِّبْنِي فَأَتُوبَ لأَنَّكَ أَنْتَ الرَّبُّ إِلَهِي” (إر31: 18)