مارحتلوش بس جابني

كان هذا الطالب الجامعي يدرس بكليته في القاهرة طوال السنة الدراسية، ويعود في الإجازات إلى بلده في الصعيد، فكان يسافر في إجازة نصف السنة والإجازة الصيفية ليقضي هذه الفترات مع أهله، لأن السفر كان يستغرق مدة طويلة ولا يستطيع السفر لمدة أسبوع أو أسبوعين.

كانت لهذا الشاب علاقة بالكنيسة ولكنها محدودة، فكان أحيانًا يصلي في بيته وأحيانًا يقرأ في الكتاب المقدس، وفي بعض الأوقات يذهب إلى القداس، ولكنه لم يكن مواظبًا على الكنيسة.

قاربت امتحانات هذا الطالب أن تنتهي، وكان آخر امتحان يوم السبت، فقرر أن يسافر إلى الصعيد يوم الأحد بالليل، واستغل يوم السبت لتجهيز حقيبته الكبيرة. أخذ يجمع كل الأشياء التي تخصَّه حتى لا ينسى شيئًا.

فكر بعد هذا أن يذهب في صباح الأحد لحضور القداس لأن الوقت أمامه طويل إذ لن يسافر إلا ليلاً، ولكن جاءته فكرة استحسنها جدًا وهي أن يذهب إلى عمه الذي يسكن في الجيزة لأن زوجة عمه طعامها طيب المذاق، وفرصة أن يقضي وقتًا لطيفًا يلعب مع أولاد عمه. وظلَّ الحوار في داخله مدة: هل يذهب إلى الكنيسة أم يستريح وينام ولا يستيقظ مبكرًا للقداس ثم يتمتع بزيارة عمه؟ وفي النهاية استسلم إلى راحته وتمتعه، وقرر تأجيل حضور القداس، إذ كان متهاونًا في هذا الأمر طوال فترة الدراسة، فقال:

  • مش مهم مرة كمان أسيب القداس وأبقى أحضر بعدين في البلد.

نام هذا الطالب ولم يرضَ أن يستيقظ مبكرًا رغم أنه استيقظ على جرس الكنيسة القريبة من بيته، ولكنه عاد للنوم، وبعد قليل شعر بقلق فقام من نومه ولم يستطع أن يستعيد النوم، ولكنه قال في نفسه أنه قرر أن يذهب إلى عمه.

قام بهدوء وأخذ حقيبته الكبيرة وذهب إلى عمه ووصل إلى بيت عمه في العاشرة صباحًا.

صعد السلم إلى الشقة وطرق الباب، ولكن للأسف لم يجد من يفتح له، وانتظر كثيرًا فلم يفتح له أحد، فتعجب جدًا لأن زوجة عمه لا تنزل من البيت أبدًا إذ أن أبنائها أطفال صغار لا يمكن أن تتركهم، بالإضافة إلى أنها تعاني من أمراض كثيرة.

احتار الطالب ماذا يفعل، إنه لا يستطيع أن يذهب إلى مكان بهذه الحقيبة الكبيرة، وفي نفس الوقت يتمنى أن تعود زوجة عمه ليقضي اليوم عندها ويلعب مع أبناء عمه، فقال في نفسه: أنتظِر قليلاً لعلهم يعودون إلى البيت.

ظل واقفًا بجوار حقيبته، وطال الوقت ولم يحضر أحد، ومن تعبه جلس على السلم منتظرًا رجوعهم إلى البيت.

شعر الطالب بخطيته أنه ترك القداس، إذ أنه لو كان قد حضر القداس كان يمكنه أن يأتي إلى عمه متأخرًا ساعة أو ساعتين، ولكن تكاسله حرمه من القداس وهو الآن لا يعلم متى يعود عمه وزوجته.

طال الانتظار، وبدأ الجوع يحارب هذا الطالب، فهو لا يجد طعامًا ولو قليلاً وليس الطعام الفاخر الذي ستقدمه زوجة عمه، كما أنه لا يستطيع أن يتحرك بحقيبته الكبيرة ليبحث عن طعام. كل هذا أشعره بخطيته.

تذكَّر أيضًا هذا الطالب كل المرات التي أهمل فيها الذهاب إلى الكنيسة، وأنه يتناول كل فترة طويلة، بالإضافة أن له مدة طويلة بعيدًا عن الجلوس مع أب اعترافه.

فيما هو يفكر في كل هذا، كان زوار العمارة يمرون به وهو جالس على السلم ويسألونه ماذا تريد؟ فيجيب بحزن أنني أنتظر عمي وأسرته الساكنين بهذه الشقة، فيشفقون عليه ويتركونه.

تذكر أيضًا هذا الطالب إهماله لصلواته سواء في الصباح أو في الليل، فأعلن أمام الله توبته، بل وَعَد الله أن يصلي كل يوم من الأجبية صباحًا وليلاً، بالإضافة إلى التناول كل أسبوع، وانه حتمًا سيعترف في أقرب وقت عندما يذهب إلى بلده، بل تحرك قلبه فوقف وبدأ يصلي كل الصلوات التي حفظها قبلاً.

مرَّ الوقت وأصبحت الساعة الثانية بعد الظهر، وبدأ يتساءل الطالب في قلبه: هل يكونوا قد سافروا إلى مكان؟ إنه أخطأ إذ لم يتصل بهم قبلاً، ولكن ماذا يفعل الآن؟ هل سيظل على السلم حتى الليل إلى ميعاد القطار الذي يحمله إلى بلده؟ وكيف سيحتمل هذا الجوع حتى الليل؟ وسط هذه الحيرة تعب جدًا، وبدأ يشعر أنه محتاج أن يدخل الحمام ولكنه لايستطيع، وتأثر جدًا حتى سالت الدموع من عينيه وهو يقول:

  • سامحني بقى يارب. باوعدك مش هاسيبك أبدًا، ولا هاسيب كنيستك. الحقني بقى أنا مش عارف أعمل حاجة من غيرك.

مرَّت الدقائق بطيئة جدًا، وهو في حزن لا يدري ماذا يفعل، ولكنه كان يصلي ويلحَّ على الله أن ينقذه، فبدأ السلام يدخل إلى قلبه ويشعر برجاء أن يأتي عمه وزوجته.

في الساعة الثالثة بعد الظهر، أي بعد انقضاء خمس ساعات وهو على السلم، سمع وقع أقدام تصعد على السلم ، ثم رأى زوجة عمه، فقام فرحًا وتعانق الإثنان، وتعجبت لجلوسه على السلم فقال لها:

  • أنا هنا من الساعة عشرة الصبح … إنتِ كنتِ فين يا طنط؟

أنا كنت في الكنيسة يا ابني، أصـل ولاد عمـك راحـوا عنـد خالهم إمبـارح بالليـل، وأنـا ربنا قواني ورحت الكنيسة واتناولت علشان أنا عيانة بقالي مدة والحمد لله قعدت مع أبونا واعترفت كمان، وبعد كدة زرت صاحبتي العيانة اللي جنب الكنيسة، واشتريت شوية حاجات للبيت علشان كده اتأخرت، آسفة يا ابني قوي.

دخل الإثنان إلى البيت والطالب يقول لها:

  • أنا اللي غلطان علشان مارحتش القداس، ولا صلِّيت قبل ما آجي، لو كنت صليت كان ربنا أرشدني إني أكلمكم وأرتب معاكم كل حاجة.

دخلت زوجة عمه لتعد له الطعام بسرعة، وقالت له:

  • أنا عارفة إنك جعان أوي … حالاً هيكون الأكل جاهز.

فيما هو ينتظر الطعام، أكَّد لله وعوده التي قالها على السلم لحضور القداس. وبعد أن أكل، وصل عمه من العمل وفرح بلقائه، وقضى فترة في بيته بل دخل ونام قليلاً بعد هذا المجهود الكبير.

بعد أن استيقظ ودَّع عمه وزوجته، وذهب إلى محطة القطار وركبه متجهًا إلى الصعيد، وأخرج أجبيته التي كانت في حقيبته وأخذ يصلي مؤكدًا لله أنه ينفذ وعوده التي ستظل بقوة الله طوال حياته.

الله يبحث عنك لأنه يحبك، ويفتح أبواب بيته لك ليحتضنك ويعطيك جسده ودمه، فلا تهمل محبته وأحضانه المفتوحة لك، إنك ابنه ولن تستريح إلا بين يديه.

القداس الإلهي هو أعظم صلاة على الأرض، بل هو صورة للصلاة من الأبدية نتذوقها ونحن على الأرض، حيث يحضر المسيح بنفسه وملائكته وقديسيه حوله، فلنلتقي بالسماء التي تنزل إلينا في الكنيسة لتصعد قلوبنا إلى السماء، فليتك تبكر في حضور القداس منذ بدايته.

تدبيرك فاق العقول: الجزء السابع.

اية للحفظ

  • “إني كل من أحبه أوبخه وأؤدبه فكن غيورًا وتب” (رؤ3: 19)