مين اللي واقف على الشباك؟
كان هذا الرجل العجوز يعيش مع إمرأته، وينامان كل واحد على سرير بجوار الآخر، وكانت الزوجة مريضة لا تستطيع القيام من سريرها.
كان الزوجان يحبان الصلاة، ويُصليان معًا في أحيان كثيرة. وكان الزوج يفرح عندما يجد أي صلاة مكتوبة ليصليها، وكانت نتيجة مكتبة المحبة تحتوي في بعض الأيام على صلوات كان يجمعها ويُصليها باستمرار، وكان يضعها في الأجبية الخاصة به، ليُصلي بها كل يوم. وامتلأت الأجبية بأوراق الصلوات، حتى عادت غير قادرة على الاحتفاظ بها لكثرتها، فربطها بأستيك ليحافظ على أوراق الصلوات.
وفي إحدى الليالي، بعد أن صلى العجوزان معًا، ناما في هدوء. وقبل الفجر بقليل، أي وقت السَحَر، حيث الظلام الشديد، استيقظت الزوجة العجوز على نور يملأ الحجرة، ورأت ملاك يقف على النافذة التي أمامها، فخافت لأول وهلة، ولكنها اطمأنت لأنه كان ملاكًا منيرًا وجميلاً، وتشجعت فسألته:
-
“إنت مين؟” ولم يُجِب عليها.
فسألته:
-
“إنتَ عايز حاجة؟” ولم يُجِب عليها
فسألته:
-
“إنتَ عايزني ولا عايز جوزي؟”
فأجابها الملاك:
-
“أنا عايز جوزِك علشان أطلع بروحه للسماء. أنا كنت باطَلَّع صلواته الكثيرة للسماء، ودلوقتي هيطلع عشان يقعد على العرش بتاعه مع المسيح”.
حزنت الزوجة، وتأثرت وبكَت، ولكنها استعادت هدوءها بسلام عجيب أتاها من الله، فبدأت تصلي صلواتها الكثيرة التي حفظتها، ولم تستطع أن تقوم من سريرها لعجزها، حتى تُوَدِّع زوجها، ولكنها ودعته بصلواتها الجميلة.
في الساعة العاشرة صباحًا، حضرت إبنتهما كعادتها ودخلت الحجرة، وقَبَّلت أمها التي كانت مستيقظة تصلي، وفرحت الأم بها. ولكنها قالت لإبنتها:
فقالت لها إبنتها:
-
“وعرفتي منين يا ماما إنه راح السما؟”
فقصَّت الأم على إبنتها قصة الملاك الذي رأته قبل الفجر، وذهبت الإبنة إلى سرير أبيها لتجده قد فارق الحياة، فقبَّلته وهي تبكي، وبَكَت الأم أيضًا، وفهمت الإبنة عظمة الصلوات التي كان أبوها يهتم بها، ويجمعها ويصليها من نتيجة المحبة، بجانب صلواته التي في الأجبية. ووعدت الله أن تهتم بصلواتها كل يوم، مثل أبيها مُحب الصلاة.
الصلاة هي كلام مباشر مع الله، فلا تهمل هذه الفرصة المتاحة لك يوميًا، لتتمتع بالوجود مع الله، لتُعَبِّر عن كل مشاعرك من خلال صلواتك.
إهتم أن تُصلي الأجبية، على الأقل صباحًا ومساءً، لتتمتع مع الكنيسة بهذه الصلوات، وتُعِد نفسك للحياة الأبدية، فليس هناك أعظم من الصلاة، وخاصة المملوءة بكلام الكتاب المقدس، التي هي المزامير والأناجيل التي في الأجبية.
تدبيرك فاق العقول: الجزء التاسع.
أقام ميت بغير قصد
يقول القمص لوقا سيداروس: كان الرئيس السادات قد قام باعتقال كثير من القيادات الدينية، وكان الآباء المحبوسين من كل أنحاء مصر، وكثير منهم لم يكن يعرف الآخر.
كنا في الصباح الباكر في كل يوم نصحوا على صوت كنسي فيه عزاء كبير، يصلي مقتطفات من القداس الإلهي، وكنا نسمعه يسبح بنغم روحي يزيح عن النفس الكمد الذي كان يشيعه جو السجن وحراسه. كان هذا الأب الكاهن من سوهاج، وبمرور الأيام أصبح عمله هذا كصياح الديك في الفجر، ينبىء دائمًا بانقشاع الظلام.
كانت الزنزانة التي أقيم فيها في منتصف العنبر وكان هذا الأب يقيم في زنزانة في طرفه، فلم تكن هناك فرصة لأتحدث معه أو أراه إلا عندما يأتي عليه الدور ليستحم، فكان في مروره يسلم عليَّ وهو لا يعرفني وأنا أراه من طاقة الزنزانة التي لا تزيد عن قبضة اليد. ولأنه كان مصابًا بحساسية الصدر سمحوا له بحمام يومي.
كان وهو في الحمام أيضًا يصلي، ولكنه يصلي الأواشي فقط عن سلام الكنيسة وأوشية الآباء .. ولما دققت السمع فيما يصلي وجدته يقول “الرئيس والجند والمشيرين نيحهم جميعا” .. لم يكن أحد من الحراس أو الضباط يفهم شيئًا وكان بعض الآباء يقولون “آمين”. ولم يمضِ سوى أيام حتى صنع الرب صنيعه العجيب واستجاب. وبعدها انتقلنا جميعًا إلى سجن بوادي النطرون، وعشنا جميعًا في عنبر واحد، وتعرف بعضنا ببعض عن قرب شديد، إذ قد عشنا معًا عدة شهور.
فلما عرفت هذا الأب عن قرب وجدته رجلاً بسيط القلب مملوء بالعاطفة. كانت نفسيته بسيطة، علاقته بالمسيح ليس فيها قلق ولا تعقيد، كان يحب المسيح من قلب بسيط كقلب طفل صغير. توطدت العلاقة بيننا جدًا، وكنا كلما سرنا لبعض الوقت نتكلم عن أعمال الله وتأملنا في كلامه ووعوده الصادقة.
قال لى مرة ونحن نتكلم عن أعمال الله، أن من أعجب القصص التي عاشها في خدمته أنهم أيقظوه يوم سبت النور بعد أن سهر في الكنيسة حتى الصباح بعد انتهاء القـداس الإلهـي الساعـة السابعـة صباحًـا ثـم ذهب لبيته ليستريح. أيقظوه بانزعاج وقالوا له قم إعمل جنازة .. قام من نومه العميق منزعجًا، وسأل من الذي مات؟ قالوا له الولد فلان .. إبن ثلاثة عشر عامًا. لم يكن الولد مريضًا ولكن في فجر اليوم وجدوه ميتًا، وحُزن أهل الصعيد صعب وصلوات الجنازات رهيبة .. لا سيما إذا كان موت مفاجىء أو ولد صغير السن. قام الأب وهو لم يجمع ذهنه بعد، مغلوبًا من النوم، فكأنه تحت تأثير مخدر، لم يستوعب الأمر.
كان يعمل كل شىء كأنه آلة تعمل بلا إدراك، غسل وجهه وذهب إلى الكنيسة، وجد الناس في حالة هياج وعويل. دخل هذا الكاهن الطيب، باكيًا مشاركًا شعبه، وضعوا الصندوق أمامه، وكان لهم عادة في بلده أن يفتحوا الصندوق ويصلي على المتوفي والصندوق مفتوح. صلى صلاة الشكر، ثم رفع صليبه، وبدلاً من أن يصلي أوشية الراقدين، صلى أوشية المرضى بغير قصد ولا إدراك، كان كأنه مازال نائمًا .. وفيما هو يصلي “تعهدهم بالمراحم والرأفات اشفيهم”، إذ بالصبي المسجى في الصندوق يتحرك! قال: “لم أصدق عينيَّ، جسمي كله اقشعر”. تجمد في مكانه ولكنه أكمل الصلاة وزادت حركة الصبي.
صرخ الكاهن، إنه حي، هاجت الدنيا حوله. فكوا الولد من الأكفان .. إنه حي .. سرت موجة فرح الحياة، إنقشعت أحزان الموت، إنه سبت النور، يوم كَسَر المسيح شوكة الموت.
كان يحكي هذه الحادثة العجيبة، التي هي أعجب من الخيال، و كأنه لم يكن له شأن فيها بل مجرد متفرجًا! لم يكن الرجل ينسب لنفسه شيئًا، ولكن الواقع إنه كان رجل الله. وقد انضم إلى مصاف الكهنة السمائيين وانتقل من هذا العالم الزائل بعد أن خرج من السجن بسنوات قليلة. إرتقت روحه المسبحة إلى طغمة الذين يسبحون الرب بلا سكوت وبلا فتور.
رائحة المسيح في حياة أبرار معاصرين.
اية للحفظ
✝ “فقط عيشوا كما يحق لإنجيل المسيح” (في1: 27)